حين تدوي القاذفات الأمريكية فوق فوردو نطنز و أصفهان
د. نعيم الملكاوي
22-06-2025 03:14 PM
الضربة الأمريكية تغيّر قواعد الاشتباك وتُشعل الجغرافيا من طهران حتى باب المندب... طهران تبحث عن الحلفاء والدروب المشتعلة .
في صباح 22 حزيران/يونيو، تغيّر مشهد الشرق الأوسط بنحو دراماتيكي . قاذفات أمريكية شنت ضربات جوية دقيقة استهدفت منشآت نووية إيرانية في فوردو، نطنز، وأصفهان، لتدخل واشنطن رسمياً على خط الحرب المشتعلة بين إسرائيل وإيران . وبينما تنهمك طهران في حسابات الرد ، يطرح الواقع سؤالاً وجودياً:
من بقي في ميدان النار ؟
ومن يمكنه تحريك رقعة المواجهة في لحظة تبدّل قواعد الاشتباك ؟
من وجهة نظر تحليل سياسي ميداني نخلص الى:
1. تحييد الحليف التقليدي: دمشق خارج اللعبة مع الانهيار الأمني والاقتصادي الذي تعيشه البلاد ، أصبحت سوريا منصة غير فاعلة في الردع أو المناورة . النظام الذي كان يعوّل عليه كممر استراتيجي أو واجهة لتهديد إسرائيل ، بات منشغلاً بالبقاء ، لا بالصراع الإقليمي.
2. حزب الله: بين النفير الصامت والتريث المدروس لا تزال المقاومة اللبنانية في حالة ترقب ، رغم الشعارات الحماسية التي تطلق بين الفينة والاخرى . الحزب يُدرك أن أي تدخل مباشر الآن قد يفتح جبهة تدميرية على لبنان في توقيت داخلي كارثي . ومع ذلك ، تبقى أوراقه محفوظة ، بانتظار لحظة قد تُفرض فيها اللعبة الإقليمية عليه ، لا باختياره .
3. الحوثيون يدخلون الحلبة من بوابة السماء والبحر بعكس حلفاء طهران الآخرين، يبدو أن الحوثيين في اليمن باتوا الأقرب إلى الحركة الفعلية . فبحسب المعلومات الأولية ، بدأت الميليشيات الحوثية بإرسال طائرات مسيّرة تجاه أهداف في جنوب إسرائيل ، في ما قد يكون تمهيداً لتصعيد أوسع ، يشمل تهديد الملاحة الدولية في باب المندب وبحر العرب ، وربما يصل إلى استهداف سفن تجارية غربية ، كما حصل في فترات سابقة .
4. مضيق هرمز ... الفارس يلوّح بالسيف في خضم التوتر، تُرجّح مصادر دبلوماسية أن تلجأ طهران إلى تفعيل قوتها البحرية في مضيق هرمز والخليج العربي ، وهو التهديد الأشد وقعاً على الأسواق العالمية . إغلاق المضيق - أو حتى التهديد بإغلاقه - سيكون بمثابة إعلان حرب اقتصادية تطال العالم كله . وهنا تعود إيران إلى لعب ورقة " التحكم بالشريان النفطي العالمي "، التي لم تُفعّل منذ سنوات.
5. الموقف الدولي: صمت ثقيل وتريث استراتيجي في مقابل الهجوم الأمريكي ، تبدي روسيا والصين حذراً تكتيكياً . لم تُصدر موسكو بياناً حاسماً، رغم علاقتها بإيران ، فيما تكتفي بكين بالدعوة إلى التهدئة . أما أوروبا ، فتعاني ارتباكاً دبلوماسياً واضحاً بين التحذير من التصعيد ، وتفهم موقف واشنطن . دول الخليج تتابع بصمت قلق ، وستسارع إلى تعزيز استعداداتها الدفاعية .
6. إيران: عزلة نارية وخيارات محدودة أمام هذا المشهد ، تجد طهران نفسها في زاوية حرجة . فإما أن ترد بشكل مباشر ، وتجازف بحرب شاملة ، أو تتّبع استراتيجية الرد غير المباشر ، عبر الوكلاء. لكن أي تأخير في الرد سيُضعف موقعها داخلياً ويُظهرها بمظهر العاجز أمام خصومها .
فجميع السيناريوهات المطروحة متاحة ومباحة:
- تصعيد بحري ومسيّرات عبر وكلاء إيران ( الحوثيون نموذجاً ) ، مع توسيع نطاق العمليات من باب المندب إلى حيفا.
- استهداف أمريكي مضاد لأي تحرك إيراني مباشر ضد مصالح واشنطن ، ما قد يشعل نزاعاً مفتوحاً.
- عودة إلى طاولة المفاوضات عبر قنوات خلفية ، إذا ما قُدّم لإيران مخرج دبلوماسي يُنقذ ماء الوجه.
- دخول لاعبين إقليميين جدد، إذا طالت المعركة وتحوّلت إلى حرب استنزاف .
في هذا الصباح، أضاءت القاذفات سماء إيران بنار غير تقليدية. الحلفاء في جبهات متباعدة، والخصوم يزدادون جرأة. بين مضيق هرمز وباب المندب، وبين فوردو وبحر العرب، قد تتحول الجغرافيا كلها إلى حقل اشتباك مفتوح.
السؤال الآن ليس من سيُطلق الرصاصة القادمة... بل من سيتحمّل دويّها في زمن لم يعد فيه الصمت خياراً.