في الوقت الذي تنفرد الدبلوماسية الأردنية بعمل مباشر وإشراف من قبل جلالة الملك عبدالله الثاني في زخم الصراع الايراني الإسرائيلي الحالي وطوال فترة الحرب العدوانية الإسرائيلية ضد مدنيي غزة المستمرة لغاية الآن فأن الصوت العربي بشكل عام لا يظهر على مسرح الاحداث وإرهاصاتها المختلفة ، صحيح الأردن بحكم موقعه الجغرافي بين طرفي الصراع الحالي يستوجب ذلك ولكن محصلة هذا الصراع سينال الجميع العربي نصيبه منها بغض النظر عن المنتصر بالنظر أن لكل من طرفي الصراع مشروعه الخاص وبني قومي بمثابة المتفرجين المنتظرين تحليلاً وتأويلاً ، وهو الأمر بالمناسبة الذي عزز السلبية الحالية ويعمق نتيجة القادم المنتظر مما يجري .
لم يصدف أبداً بتاريخ العلاقات الدولية ان سادها مبدأ الجمعيات الخيرية في العطايا المجانية من جانب هذه الدولة او تلك ، فالمصلحة الإستراتيجية والتكتيكية هي المحرك لهذه العلاقات فلا عداوة او صداقة دائمة ، وبالتالي يتحكم مدى المصلحة الوطنية المحصلة بمدى ان يكون صديق عدوي أو عدو عدوي صديقي فالحديث هنا عن مستقبل اوطان وشعوب ولا مجال "للدروشة" الساذجة السائدة في العلاقات الشخصية ، هل تعلمون أن دولة كمثل الولايات المتحدة الأمريكية لا يستطيع رئيسها أن يعطي دولة أخرى "دولار واحد" من الميزانية العمومية دون الرجوع لموافقة الكونغرس ؟! ، هكذا تدار الدول العصرية ببساطة.
لا شك ان امعان دولة الاحتلال في اجرامها الدموي ضد مدنيي غزة قد ساهم بقوة في تعزيز الاصطفاف الشعبي مع إي قوة مهما كانت تقف في وجهها وساهم ايضاً بتجاوز النظرة التي أحاطت بالنظام الإيراني ومشاريعه في بعض الدول العربية ، وفي نفس الوقت اصبحت شاشات الإعلام المرئي ووسائل التواصل الاجتماعي ساحات للتقاذف المضحك المبكي الذي يبدأ باتهامات العمالة لهذا الطرف او ذاك مروراً بالمسرحيات المخفية ولا ينتهي بأن عدو عدوي صديقي والدعاء ان يضرب الظالمين بالظالمين ، ... فلا بأس لمن يتابع ما يجري وهو متمدد على اريكة بيته فالأمر بالنسبة له يبدو له انه بجزر الواق الواق البعيدة و "أن غربت مشمش وأن شرقت تفاح" كما يقول المثل الشعبي!!.
الثابت ان طرفي الصراع لا يتساويان بمكانة وارث تاريخي واحد ، فرغم الموقف من نظام طهران فالشعب الايراني هو شعب اصيل في المنطقة تجمعه مع العرب التاريخ والعقيدة والحضارة التي تمتد لفترة ما قبل الاسلام ، فيما يمثل المجتمع الاسرائيلي مجتمعاً استيطانياً توسعياً مسلحاً جاء من اصقاع العالم ليحل محل شعب اصيل هجر من ارضه بإرهاب المجازر ، فإسرائيل هي الدولة الوحيدة التي سبق وجود جيشها وجودها وهي في جولة الصراع الحالية من بدأت القتال .
فالحرص مطلوب خلال الحكم والتأويل والتفسير الذي يبقى أثره أكثر من وقت جولة الصراع الذي يتناوله ، فكل ذلك له أهله المتمرسين حصافة وخبرة ودراية بما هو وراء الأكمة بعيداً عن الفوضى الإعلامية والتحليلية والتنبؤية المفتقرة للتوازن والحكمة، ففكرة المحافظة على الوطن ومقدراته لا تتوقف فقط في الظروف الحالية بل تمتد الى القادم من الايام التي يجهل الجميع ما ستؤول اليه في ظل غياب المشروع العربي الموحد ، الاردن تعرض عبر تاريخه لظروف لا تقل حدة عما يجري حالياً ، وبحمد الله بحكمة قياداته ووعي إنسانه استطاع ان يتجاوز كل المصاعب وهو القادر بلا شك ان يستخلص مما يجري من مخاطر عوامل قوة تضاف الى رصيده المكتنز إرادة وحكمة إن شاء الله .