قرأة في القانون الدولي حول الهجوم الإسرائيلي على إيران
المحامي الدكتور هيثم عريفج
23-06-2025 10:43 AM
في ظل التصعيد العسكري المتسارع الذي تشهده المنطقة، وما حملته الأيام الأخيرة من اعتداءات عسكرية إسرائيلية على الأراضي الإيرانية، تبرز تساؤلات ملحة حول موقف القانون الدولي من هذا النوع من السلوك الأحادي، ومآلاته على أمن الإقليم واستقرار الدول المجاورة، وعلى رأسها الأردن، فضلًا عن تداعياته على القضية الفلسطينية.
أولا: العدوان على إيران انتهاك صريح للقانون الدولي
الهجوم العسكري الإسرائيلي على أهداف داخل إيران يمثل، قانونيًا، عدوانًا مسلحًا على دولة ذات سيادة، وهو أمر ترفضه قواعد القانون الدولي المعاصر بشكل قاطع.
يُعد ميثاق الأمم المتحدة المرجعية القانونية الأساسية في هذا السياق، حيث تنص المادة (2/4) على:
"يمتنع أعضاء الهيئة في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة..."
وبالتالي، فإن أي استخدام للقوة، خارج إطار تفويض صريح من مجلس الأمن أو في حالات الدفاع الشرعي عن النفس وفق شروط صارمة، يُعتبر غير مشروع.
ثانيًا: الدفاع عن النفس وفق المادة (51) لا ينطبق على هذه الحالة
غالبًا ما تلجأ إسرائيل إلى تبرير ضرباتها بالاستناد إلى المادة (51) من الميثاق، والتي تنص على:
"ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسها إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة..."
إلا أن هذه المادة تقيّد الحق في الدفاع عن النفس بشرط وقوع "عدوان مسلح فعلي". وهو ما لا ينطبق على الحالة الإيرانية في ظل غياب أي دليل على هجوم إيراني وشيك أو جارٍ ضد إسرائيل.
بل أكثر من ذلك، تُجمِع معظم الفقهاء القانونيين على أن مجرد الشك أو وجود "نية مفترضة للهجوم" لا يبرر استخدام القوة العسكرية. وقد أكدت محكمة العدل الدولية في قضية نيكاراغوا ضد الولايات المتحدة (1986) أن الدفاع عن النفس يتطلب "وقوع هجوم مسلح فعلي".
ثالثًا: حالات سابقة مماثلة تؤكد عدم مشروعية الضربات الاستباقية
غزو العراق عام 2003: قامت الولايات المتحدة وبريطانيا بشن الحرب استنادًا إلى ادعاء وجود "أسلحة دمار شامل" و"تهديد وشيك"، دون تفويض من مجلس الأمن. وقد اعتُبر الغزو لاحقًا غير قانوني بموجب تقارير لجان التحقيق البريطانية (لجنة شيلكوت 2016) ووفق آراء غالبية الفقهاء الدوليين.
الضربة الجوية الإسرائيلية لمفاعل تموز النووي في العراق عام 1981: اعتبرها مجلس الأمن الدولي (القرار 487) انتهاكًا واضحًا للميثاق، وأدانها بالإجماع، بما في ذلك الولايات المتحدة.
قصف سوريا عام 2007 (عملية "بستان"): برّرت إسرائيل الضربة بأنها استباقية، لكن لم يصدر أي اعتراف دولي بشرعيتها، ولم يُثبت وجود تهديد وشيك.
كل هذه الحالات تُظهر أن الضربات الاستباقية، حتى لو استندت إلى اعتبارات أمنية، لا تحظى باعتراف القانون الدولي طالما لم يقع هجوم مسلح فعلي، أو لم يصدر تفويض من مجلس الأمن.
إن ما يجري اليوم بين إسرائيل وإيران هو امتحان حقيقي للنظام الدولي، واختبار لقدرة القانون الدولي على الوقوف في وجه سياسات فرض الأمر الواقع.
الهجوم على إيران، في غياب تهديد فعلي أو تفويض أممي، لا يمكن تبريره قانونيًا أو أخلاقيًا، ويستوجب موقفًا واضحًا من المجتمع الدولي، ومن الدول العربية، دفاعًا عن مبادئ السيادة، ورفضًا لسياسة العدوان باسم "الاستباق".