غزة التي لا تحوي قاعدة : عندما تُقصف الكرامة بصمت دولي
صالح الشرّاب العبادي
25-06-2025 09:59 AM
بينما اهتزّت العواصم العالمية إثر ضربات إيرانية دقيقة استهدفت قواعد أمريكية ، تحرّكت الوساطات وتقدّمت العروض، وتمّ ضبط الإيقاع بدقة سياسية نادرة، في غزة بقيت السماء مفتوحة على جحيم لا يهدأ.
لم تكن هناك قاعدة عسكرية تستدعي تدخّلًا، ولا أنبوب غاز يتطلب حماية، ولا مضيق بحري يُهدّد الملاحة.
في غزة، لا يُقصف النفط بل الإنسان. لا يُستهدف النظام العالمي بل الكرامة. ولهذا لم يتحرك أحد.
الضربات الإيرانية: النار المنضبطة والدبلوماسية المنظمة
خلال الأيام الأخيرة، تصاعد التوتر الإقليمي إلى ذروته مع الضربات الإيرانية التي استهدفت قواعد عسكرية غريبة ، بضربات وُصفت بأنها “محكومة بعناية فائقة”.
ما تلاها كان مشهدًا دبلوماسيًا متقنًا:
الدول الكبار تدخلت كوسطاء بسرعة اسرع من سرعة صواريخ الفرد صوتي .
الولايات المتحدة مارست ضبط النفس.
إسرائيل وافقت على التهدئة.
هدنة رسمت نهايتها على وقع ضربة “الختام” المنسقة، وكأن طرفي الصراع أدركا أن العالم لا يتحمل حربًا مفتوحة بين قوى كبرى.
غزة: الحرب التي لا تُفاوض
وفي المقابل، تُقصف غزة منذ شهور، دون هدنة، دون وساطة حقيقية، دون ضغوط دولية توقف المجزرة.
لا قاعدة أميركية هناك لتهتز واشنطن،
ولا مضيق اقتصادي ليتحرك الناتو،
ولا صاروخ يُهدّد الملاحة لتُعقد القمم الطارئة.
كل ما هناك هو:
أطفال يُنتشلون من تحت الأنقاض،
عائلات تُقصف أثناء نومها، وذبح بالجملة في مصيدة مناطق التوزيع لالتقاط الفتات على موائد القتلة ..
وأرقام تتحول إلى أسماء، ثم إلى صور، ثم إلى نسيان.
المفارقة القاتلة: أي حياة لها قيمة؟
لماذا استُنفرت القوى العالمية عندما تضررت قاعدة أميركية ، ولم تهتز شعرة حين دُمّر حي بأكمله في رفح؟
هل أصبحت قواعد النفط أهم من أحياء الفلسطينيين؟
هل باتت الهدنة تحتاج إلى “أمريكي في الخطر” حتى تُفرض؟
وهل الكرامة الفلسطينية لم تعد “عاملًا استراتيجيًا” في ميزان الأمن العالمي؟
غزة تفضح المعايير
الحرب في غزة لا تحظى بأناقة التفاوض ولا رفاهية التصعيد المحسوب،
لأن ما يُقتل فيها هو الضمير أولًا،
وما يُقصف فيها هو “الكرامة”،
والعالم الذي هرع لتفادي حرب بين إيران وأميركا، نسي أن حربًا كاملة تُجرى يوميًا في غزة… على مرأى منه.
غزة تذكّرنا دومًا أن بعض الحروب لا تنتظر هدنة، لأنها ببساطة… ليست على خريطة المصالح.