العام الهجري الجديد .. هجرة النور وتاريخ الأمة
صالح الشرّاب العبادي
26-06-2025 12:39 PM
اليوم.. نستقبل عامًا هجريًا جديدًا، نطوي فيه صفحة عام مضى، ونفتح أخرى تشرق بالأمل والإيمان ، ليست هذه مجرد مناسبة زمنية، بل وقفة تأملٍ في أعظم تحول عرفه التاريخ، حين هاجر النبي محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، فغيّر مجرى الزمان، وأسس لأمةٍ كانت ولا تزال تحمل مشعل الهداية إلى يوم الدين.
الهجرة.. بداية لا فرار
ليست الهجرة النبوية فرارًا من واقعٍ مؤلم، بل كانت انتقالًا واعيًا ومدروسًا نحو بناء دولة تحمل الرسالة، وتؤسس للعدل، وتزرع بذور الخير في أرضٍ عطشى للحق ، لقد كانت الهجرة تحولًا من مرحلة الاستضعاف إلى التمكين، ومن الغربة إلى الحضور، ومن الصبر على الأذى إلى صناعة المصير.
الرسول يغيّر التاريخ
حين قرر الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه اعتماد الهجرة بدايةً للتقويم الإسلامي، لم يكن الأمر اعتباطًا ، لم يختر مولد النبي، ولا البعثة، بل الهجرة؛ لأنها لحظة انفصال عن الظلم، ولحظة اتحادٍ على الحق ، لحظة ولادة الأمة بحق، إذ بدأت معها معالم الدولة، وأقيمت فيها راية التوحيد على أرض الواقع لا في القلوب فقط.
المحجة البيضاء
في المدينة، أسّس النبي صلى الله عليه وسلم للمحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك ، كان القرآن يُتلى، والسنة تُتبع، والقلوب تتربى، والرايات ترفرف على سارية التوحيد ، أقام فيها العدل بين الناس، وكتب وثيقة المدينة التي تعد أول دستور مدني عرفه التاريخ، وأرسى قواعد التعايش، فصار المجتمع الإسلامي نموذجًا يُحتذى.
عام هجري جديد.. وماذا بعد؟
ها نحن ندخل عامًا هجريًا جديدًا، فهل نكتفي بالتهاني والدعاء، أم نستلهم العبر؟
هل نعيد قراءة الهجرة لا كقصة محفوظة، بل كمنهاج عمل؟
إننا بحاجة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى أن نهتدي بمحجة النبي صلى الله عليه وسلم، فنعود إلى الصدق في التوجه، والعدل في الحكم، والرحمة في التعامل، والعزم في القرار.
إن الهجرة ليست حدثًا نحتفي به، بل بداية نستلهمها ، هي مشروع تحوّل دائم، ونداءٌ إلى القلوب أن تهاجر من غفلتها إلى ربها، ومن تيهها إلى صراطٍ مستقيم.
فلنبدأ عامنا بصدق النية، وعزم السائر على طريق الحق، سائلين الله تعالى أن يجعله عامًا للنصر والتمكين، والهداية والاستقامة.
وكل عام وأنتم إلى الله أقرب، وعلى درب رسوله أهدى.