facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الحرب الخاطفة .. توازن الرعب على حافة النووي


جمال القيسي
26-06-2025 02:09 PM

لم تكن الأيام الاثنا عشر التي شهدت تبادل الضربات بين إيران والكيان الإسرائيلي مجرد جولة في مسلسل المواجهة التقليدية؛ بل كانت اللحظة الأكثر اقتراباً من حافة الانفجار الشامل في الشرق الأوسط منذ أكثر من عقدين. ومع أن عنوان التصعيد بدا في صورته الأولية ثنائياً؛ فالحقيقة تقول إن واشنطن هي من نفّذت الضربات الجوية الدقيقة التي طالت منشآت نطنز، أصفهان، وفوردو النووية في إيران، باستخدام قاذفات استراتيجية وأسلحة خارقة للتحصينات، ضمن عملية وُصفت بأنها استباقية وردعية في آن معاً.

الضربة/ المطرقة التي استهدفت قلب البرنامج النووي الإيراني، لم تأتِ كاستجابة لهجوم، بل كانت بمثابة إعادة ضبط حادة لقواعد الاشتباك. الكيان الإسرائيلي كان طرفاً مشاركاً، لكن ليس هو من قرّر ساعة الصفر، ولا المدى. الضربة أميركية أولاً، بكل ما تحمله من رسائل؛ مفادها أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن دعم الكيان المحتل حين يترنح، وأن واشنطن ما تزال ترى في الملف النووي الإيراني خطراً لا يمكن تجاهله، لكنها أيضاً لا تريد الانزلاق إلى حرب مفتوحة.

رغم قوة الضربات الأميركية التي أصابت المنشآت النووية الإيرانية، إلا أن إيران لم تتداعَ كما كان توقعت واشنطن وتل أبيب. والسبب لا يعود فقط إلى صلابة داخلية على امتصاص الألم، بل إلى شبكة توازنات خارجية صامتة ورمادية، كانت حاضرة خلف الستار، منحت طهران غطاءً غير مباشر مكّنها من الوقوف مجدداً، ولو بتوازن هشّ. فقد بدا أن الموقف الروسي، رغم نبرته الدبلوماسية، أقرب إلى التحذير من "الانفجار"، منه إلى إدانة الضربات. لم تندفع للدفاع، لكن واشنطن تدرك أيضا أن موسكو لا تسمح بانفراد أميركي كامل بالمشهد، فأبقى الروس على احتمالات الوساطة مفتوحة، دون المساس بشراكتهم الاستراتيجية مع طهران، خصوصاً في الملف النووي.

وفي الخلفية، مرّت إشارات وتصريحات باكستانية مثيرة للاهتمام استراتيجيا في حساب التوازنات النووية ومرجعياتها "الدينية، وامتنعت إسلام آباد عن الانخراط في أي تنديد رسمي بإيران، رغم علاقتها المعقدة بالتوازنات الخليجية. هذه التصريحات القليلة بدت تموضعاً حذراً يجنح نحو دعم بارد مؤثر. كذلك كانت الصين_ شريك إيران الاقتصادي الأكبر_ حاضرة عبر خطاب وإن بدا غائماً، لكنه متوتر حيال التصعيد، دفعها لدعوة أميركا إلى "ضبط النفس" دون إدانة طهران، في ما بدا أنه تذكير ضمني بأن الإنهاك التام لإيران ليس ممكناً من دون تكلفة سياسية واقتصادية صينية لن تترك لبكين مجالاً للحياد.

هذه المواقف مجتمعة، لم تشكّل "قبة حديدية" لإيران، لكنها وفّرت لها وقتاً سياسياً، تستفيق فيه من صدمة الضربة الأولى، ومساحة للمناورة، ومتانة رمزية لتقول للعالم إنها ليست وحدها في المشهد. وما كان يمكن لردّ إيراني، حتى وإن بدا باهتاً، أن يصمد أو يمرّ دون ردّ إسرائيلي أميركي شامل، لولا أن بعض خطوط التماس الدولية كانت قد رُسمت مسبقاً، لحماية ما يمكن تسميته بتوازن الخراب.

في المقابل، ردّت إيران ضمن ما بدا أنه سياسة "الرد دون الانفجار الشامل"، فأطلقت صواريخ استهدفت شمال فلسطين المحتلة، مع الحفاظ على درجة محسوبة من التصعيد، حرصاً على ألا يتورّط النظام في مواجهة واسعة لا يملك لها غطاءً شعبيا ولا اقتصاديا. الرد كان موجعا للكيان ولكنه محدود وبقدر متوازن متعمّد: إيصال رسالة مفادها أن طهران لم تُكسر، لكنها أيضا ليست في أتون المغامرة الكبرى. لقد ظهر أن إيران اختارت النجاة من التصعيد، والاحتفاظ برصيدها النووي كورقة تفاوض، لا كأداة حرب.

أما الإدارة الأميركية، فقد تعاملت مع الجولة كفصل من صراع طويل، لا كنهاية له؛ الرئيس دونالد ترمب أدار المشهد بمنطق حسابي بارد: ضربة تؤلم ولا تُفجّر الأوضاع، وردّ يُسمح به ولا يُؤخذ على محمل الحرب! وحديث دبلوماسي يعيد الجميع إلى الطاولة، أو على الأقل لا يغلق باب الحوار. لم يكن الدور الأميركي انتصارا حاسما، ولا هو خروج تام من المواجهة؛ بل هو تثبيت لكون واشنطن ما تزال اللاعب الوحيد القادر على ضبط الإيقاع، ولو مؤقتا. لكن هذه الإدارة نفسها ستظل عالقة بين نزوة الاستعراض ومنطق الاستراتيجية، وبين الخطاب الحاد والرغبة في تفادي التورط.

في خضم حسابات العواصم النووية بعد الضربة، يجد الأردن نفسه أمام تحدٍ مركب يدمج بين الضغوط الأمنية والاقتصادية والسياسية حيث تدرك عمّان أن أي مواجهة إقليمية ستشكل تهديدا مباشراً لأمن حدود الأردن، سواء الشرقية أو الشمالية أو الغربية، فضلاً عن استقراره الداخلي، خصوصا مع هشاشة التوازنات الإقليمية الراهنة. وبفضل امتلاكه أطول خط حدودي مع فلسطين المحتلة، يشكّل الأردن عنصراً أساسياً في معادلة الصراع العربي–الإسرائيلي، لا من موقع المتفرج، بل من موقع المتأثر و(الممانع) حين تكون المواجهة من هذه القماشة؛ فهو يرى في كل تصعيد عسكري أو سياسي فرصةً كامنة لدفع أجندات التهجير القسري، وهو السيناريو الذي يرفضه الأردن بشكل قاطع، سياسياً وتاريخياً، لما يحمله من تهديد مباشر للقضية الفلسطينية.

سيسعى الأردن أكثر عبر تحركات دبلوماسية محسوبة للعب دور الوسيط بين الأطراف، مستنداً إلى موقعه الجغرافي ومكانته الإقليمية، وخطورة حدوده الغربية، لكن قدرته على التأثير تصطدم أحياناً بتعقيدات المشهد وتداخل المصالح الدولية. وفي الوقت ذاته، يدرك أن اندلاع حرب واسعة سيعيد أيضا فتح ملفات حساسة مثل اللاجئين، والطاقة، والأمن الغذائي، ما يجعله أحد أبرز المؤثرين والمتضررين، في آن معاً، من أي تصعيد مستقبلي أكبر ومحتمل، رغم جهوده الحثيثة لتجنب السيناريو الأخطر.

انتهت المفاوضات بالذخيرة الحية، لكن لم تنتهِ حرب النفوذ والتنافس والمواجهة. الضربات الأميركية عطّلت البرنامج النووي الإيراني بشكل مؤقت، وردّت إيران دون أن تحرق أوراقها النووية. الكيان الإسرائيلي شارك لكنه تكبد الكثير من الخسائر الموجعة، ولم يُحسم له النصر، والشرق الأوسط خرج من هذه المعركة بقلق استراتيجي متصاعد.

الحرب لم تضع أوزارها، لكنها الآن تدور في فضاء أكثر تعقيداً، وأطرافها اليوم في هدنة هشة، لا في اتفاق وقف إطلاق النار.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :