الهجرة النبوية: أثرها في بناء الدولة وترسيخ العقيدة وتحول الأمة
د. بركات النمر العبادي
26-06-2025 03:37 PM
تمثّل الهجرة النبوية الشريفة من مكة إلى المدينة لحظة مفصلية في تاريخ الإسلام ، ليست مجرد انتقال جغرافي، بل تحوّل حضاري عميق غيّر وجه المنطقة والعالم. لقد كانت لحظة الانطلاق لبناء أول دولة إسلامية قائمة على العقيدة والعدل، ومرحلة جديدة تُرسي قواعد التغيير الإنساني والاجتماعي والسياسي.
أثر الهجرة على بناء الدولة الإسلامية: الهجرة هي التي مهّدت لقيام أول كيان سياسي إسلامي مستقل، لا يخضع لهيمنة قريش ولا لاستبداد الجاهلية ، فقد بدأ رسول الله ﷺ ببناء مؤسسات الدولة في المدينة: بناء المسجد: ليكون مركزًا دينيًا، اجتماعيًا، وسياسيًا ، والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار: وحدة اجتماعية جديدة تتجاوز القبيلة ، وثيقة المدينة: أول دستور مدني ينظّم العلاقة بين المسلمين واليهود وسكان المدينة.
ترسيخ العقيدة في المدينة : في مكة، ركّز الإسلام على غرس العقيدة في القلوب رغم القمع ، لكن في المدينة، أصبحت العقيدة إطارًا للحكم والتشريع والسلوك اليومي ، و تحوّل الإسلام من فكر مقاوم إلى حضارة تُمارَس:
• تأسس المجتمع على التوحيد والعدل.
• ظهرت ملامح الشورى والعدالة الاجتماعية.
• العقيدة أصبحت حاكمة على العلاقات الشخصية والدولية.
بركة الهجرة على المهاجرين والأنصار:
على المهاجرين:
• نالوا الأمن بعد الاضطهاد، واستعادوا كرامتهم الإنسانية.
• شاركوا في بناء مجتمع جديد لهم فيه دور قيادي.
على الأنصار:
• حظوا بشرف نصرة النبي ﷺ.
• أصبحوا شركاء في بناء الحضارة الإسلامية.
على الجميع:
• تحوّلت المعاناة إلى طاقة بناء.
• تجسدت قيم الإيثار والتكافل بشكل غير مسبوق.
الأرض المباركة: مكة والمدينة :
• مكة: مهبط الوحي ومولد الرسالة، لكنها لم تحتضن الدولة.
• المدينة: الأرض التي باركها الله بالقبول، والنصرة، والبذل، والتمكين فكانت المدينة المكان المناسب لتطبيق الإسلام كنظام حياة ، لتتحوّل من يثرب الجاهلية إلى المدينة المنورة ، منارة الحضارة الإسلامية الأولى.
العبر المستفادة من الهجرة
• التخطيط النبوي الدقيق (اختيار الصحبة – الطريق – السرية - المعرفة في الارض).
• التضحية في سبيل العقيدة.
• أن التغيير الحقيقي يتطلب هجرة معنوية قبل الجغرافية : من الخوف إلى الشجاعة ، ومن الفردية إلى الجماعة ، ومن الضعف إلى الفعل.
• الحاضنة الاجتماعية ضرورية لأي مشروع تحوّل حضاري.
الأبعاد السياسية والاجتماعية للهجرة :رسمت الهجرة الحدود بين الاستضعاف السياسي و التمكين المدني ، أعادت صياغة الهوية من قبَلية ضيقة إلى أمة جامع ، . أثبتت أن الإسلام ليس دينًا فرديًا ، بل مشروعًا فكريا لإقامة العدل وتحرير الإنسان من العبودية و الاستعباد .
الإنسان كأداة من أدوات التغيير ، الهجرة النبوية أبرزت أهمية العنصر البشري:
• النموذج الفردي (أبو بكر، علي، أسماء، عبد الله بن أريقط...) في صناعة التحول.
• الإنسان حين يتحرك بالعقيدة يُصبح أداة تغيير تفوق السلاح والمال.
• كانت الهجرة تدريبًا على القيادة والولاء والبذل.
• بداية ارساء اسس التحضير لاقامة الدولة و التحول و الانحياز العملي للمشروع الفكري الجامع .
وفي الخاتم اقول ان الهجرة النبوية لم تكن نهاية معاناة ، بل بداية عهد جديد ، عنوانه : التمكين بالعقيدة، والنهوض بالإنسان ، وبناء الأمة ، في زمن الفتن والتحديات ، ما أحوجنا اليوم إلى استلهام معاني الهجرة لا لنُعيد ارتحال المكان ، بل لنُعيد هجرة القيم ، وتجديد النية، والانطلاق نحو التحول و التغيير و البنّاء.
حمى اللة الاردن و سدد على طريق الحق خطى قيادته وشعبه
*النائب المحامي د. بركات النمر العبادي.