facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




المـدرعـات


د. سالم الدهـــام
29-06-2025 01:07 AM

ربما يوحي العنوان أنني أود الحديث عن سلاح الدروع الملكي الأردني الذي نعتز ونفخر به وبكل تشكيلات القوات المسلحة الأردنية سياج الوطن ودرعه الحصين... لكنني في الحقيقة أتحدث عن دروع من نوع آخر، إنها دروع تحتمي خلفها طفيليات تتغول على غيرها من الكائنات المسالمة فتمتص غذاءها ودمها وعرقها، تماما كالقمل والقراد والبراغيث، وبعض تلك الطفيليات تنفذ إلى الأحشاء الداخلية كالديدان الشريطية والحلزونية وخلافها، وهي لا تقتل الضحية فتريحها، لكنها تفقدها طاقتها وحيويتها وتسلبها صحتها...

ومما يزيد الأمر سوءا وتعقيدا أن هذه الطفيليات قادرة على تشكيل نظام من الحماية تتحوصل بداخله وتتدرع به؛ نظام يشبه دروع القبة الحديدية، يمنع وصول المضادات الحيوية إليها، وكلما اكتشف المختصون مضادا حيويا جديدا لا تلبث تلك الطفيليات المنتفخة حتى تتكيف معه، ومن ثم تنتج أجساما مضادة قادرة على إبقاء الجسم البشري تحت السيطرة والاستغلال، ولشدة وحشية تلك الكائنات المتسلطة فإنك إذا ما حاولت اقتلاعها ستقتلع حتما معها ما يحيط بها من أنسجة الضحية ولحمها الحي لشدة تشبثها به.

‏ليت الأمر يتوقف عند هذا الحد.. فثمة طفيليات من نوع آخر غير القمل والقراد والديدان الشريطية، إنها طفيليات أكثر ضراوة وأشد شراسة؛ طفيليات بشرية من جنسنا، تتغذى على عرقنا وجهدنا وتسطو على رزقنا، وتصادر مستقبل أولادنا وبناتنا ...طفيليات راسخة أبا عن جد، قادرة على اختراق كل طبقات الحماية الدستورية والقانونية والاجتماعية والإنسانية والأخلاقية التي بنتها الدولة الأردنية عبر مئة وبضع سنين، فقد اخترقت نظام الخدمة المدنية مستودع آمال الحالمين بعمل شريف يسد الرمق، من خلال توسيع مظلة شراء الذمم أو شراء الخدمات، كما اخترقت أسس الشفافية وقواعد العدالة في تعيينات الوظائف القيادية من خلال اختصار كل المؤهلات العلمية والعملية بمقابلة شخصية لا شاهد على صدقيتها ونزاهتها إلا الله ولجنة التعيينات الوزارية التي لا تسمح بأي موازنة أو مقارنة بين هذه المقابلات للتأكد من أن الذي وقع عليه الاختيار هو الأفضل والأحسن، كما تم اختراق المساواة وتبرير الطبقية في الرواتب والامتيازات من خلال إيجاد ما يعرف بالهيئات المستقلة التي تكاد تكون مقصورة على أبناء الذوات من الوزراء والأعيان والنواب وشيوخ العشائر، وأقربائهم وأنسبائهم ومن يزكى من قبلهم... ناهيك عن كثير من الاستثناءات التي كان مبرر وجودها حل بعض المشكلات المستعصية في أضيق الحدود، فصارت مدخلا للمتنفذين المتكسبين على أوسع نطاق.

‏نحن إذن- وبكل أسف- حين نتحدث عن مكافحة الفساد فإننا نتحدث بالمقابل عن نظام من الحماية المدرعة متعددة الطبقات لا ينفذ إليها القانون، ولا تصل إليها الإرادة الصادقة في الإصلاح، ولا التحالفات المؤسسية المدنية، إنه (الفساد) محصن بدروع من القانون والنفوذ، والفرز الطبقي المقيت، وتزاوج السياسة ورأس المال، واللعب على الهواجس الأمنية، والمتاجرة بالولاء والانتماء الكاذب لقاء أثمان فادحة سيدفعها الوطن عندما لا يعود بمقدوره تلبية احتياجات كل هذا الكم الهائل من المتطفلين وأبنائهم وأحفادهم، تلك التحالفات غير الأخلاقية التي تشبه تحالف الإقطاعيين ضد العبيد والفلاحين في القرون الوسطى... إنها منيعة إلى الحد الذي يجعلها عصية على التفكيك ما لم تتوفر المجتمعات على ما يخرق تحصيناتها فوق الأرض وتحتها .





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :