العبر من صراع الشرق الأوسط الأخير: فرصة للمراجعة العربية لا للمجاملة
د. بركات النمر العبادي
29-06-2025 10:29 AM
لم تكن الحرب الأخيرة بين إسرائيل وإيران مجرد حدث عابر في سجل صراعات الشرق الأوسط ، بل كانت لحظة كاشفة ، صادمة ، ومليئة بالدلالات 12 ساعة من القصف والتدمير والردع والسيطرة كشفت عما هو أبعد من مجرد اشتباك مسلّح : كشفت خريطة النفوذ الحقيقي، وحدود القوة، ومواقع الفراغ، ورغم أن طرفي المواجهة لم يكونا عربيين، فإن آثارها وتبعاتها تطالنا جميعًا، وتدمي قلوبنا لما نشعر به من العجز المهين ، وتدفعنا لطرح السؤال الأهم: ما الذي يمكن للعرب أن يتعلموه من هذه الحرب؟
لا مكان للضعفاء في خريطة النفوذ
لقد بيّنت الأزمة أن الدول التي لا تملك أدوات الردع والتأثير، لا تُستشار ولا تُحترم ، بل تُعامل كمجال نفوذ أو ممر عبور، ومع الاسف لم يكن الصوت العربي حاضرًا كموقف جماعي أو استراتيجية موحّدة، رغم أن تداعيات الحرب مست السيادة والمصالح العربية بعمق ، لا حياد دائم في بيئة صراع مثل الشرق الأوسط ، " من لا يملك أوراق تأثير حقيقية يصبح موضوعًا للصراع لا فاعلًا فيه"، ما يعني أن الحياد لم يعد خيارًا دائمًا ، بل ترفًا مؤقتًا في بيئة صراعية مثل الشرق الأوسط.
الأمن القومي بحاجة لإعادة تعريف
لم تُخض الحرب الأخيرة عبر الجيوش التقليدية ، بل عبر الهجمات السيبرانية، والمسيّرات، والضربات الصاروخية الدقيقة ، والتكتيكات الذكية، هذا يفرض على العالم العربي أن يراجع مفهوم "الأمن القومي"، فلا يكفي امتلاك الجيوش أو الحدود ، لم يعد الأمن القومي مجرد حدود وجيش، "بل شبكة معقدة من التكنولوجيا، السيادة الرقمية، والسيطرة على الفضاءات غير التقليدية "، فلا بد من تعزيز السيادة الرقمية ، والحماية التكنولوجية ، والجاهزية لمعارك غير تقليدية.
الاستقلال الاستراتيجي لا يُصنع بالشعارات
من المؤسف أن نرى كيف فشلت الشعارات ، رغم قوتها الخطابية ، في تحقيق الردع أو فرض الشروط ، القوة الفعلية ظهرت في التحالفات الذكية ، القدرة على المناورة، والمرونة في المواقف. الدول التي عرفت كيف توازن بين مصالحها وحلفائها كانت الأقدر على الصمود ، "الاستقلال الاستراتيجي ليس بالخطابات بل بالتحالفات الذكية، والتحكم الذاتي في مصادر القوة" ، فالاستقلال ليس انفصالًا عن العالم، بل تحكم واعٍ في مساراته.
الاقتصاد القوي المتوازن هو صمام الأمان
الاقتصاد هو مركز الثقل في أي معادلة قوة ، الدول التي دخلت الحرب بظهر اقتصادي هش، خرجت منها أكثر ضعفًا ، وأكثر عرضة للعقوبات والانهيار الداخلي، وهذا ينطبق على أي دولة في المنطقة، فبدون قاعدة اقتصادية صلبة، "فالاستثمار في القوة الاقتصادية ليس ترفًا، بل ضمانة لعدم السقوط عند أول هزة جيوسياسية"اذ لا يمكن تأمين القرار السيادي، ولا الصمود أمام الضغوط أو الهزات المفاجئة، الا ببناء اقتصاد قوي .
الفراغ العربي يُملأ بغير العرب
غياب الموقف العربي الموحد أعطى مساحة واسعة لقوى غير عربية لملء الفراغ ، بعض المشاريع الإقليمية العابرة (الإيرانية، التركية، الإسرائيلية) وجدت سهولة في الحركة ، لا بسبب تفوقها فقط ، بل بسبب غياب مشروع عربي واضح وفعّال ، وإذا استمر التشتت، فإن المنطقة ستُدار من الخارج، بأجندات لا تخدم شعوبها.
المقاومة بحاجة إلى مشروع وطني جامع
المقاومة الوطنية ، كي تكون فاعلة وشرعية ، يجب أن تُربط بالمصلحة الوطنية لا الإقليمية ، لقد كشفت المواجهة أن بعض فصائل المقاومة تحولت إلى أدوات ضمن حسابات جيوسياسية أكبر منها ، ما أفقدها جزءًا من الدعم الشعبي العربي ، : " "ذا لم تُربط المقاومة بالمصلحة الوطنية لا الإقليمية، تتحول من رمز تحرري إلى أداة ضغط جيوسياسي "فالشعوب لم تعد تقبل بالشعارات فقط ، بل تطالب برؤية ، قيادة، ومقاومة نابعة من وجدانها، لا مرتهنة لمحاور خارجية.
اللحظة مناسبة لبناء تحالفات عربية جديدة
الأزمات لا تدمّر فقط ، بل تخلق فرصًا، " التحالفات الذكية تنشأ في أوقات الأزمات "، لا بعد انتهائها وقد تكون هذه اللحظة مناسبة لإعادة ترتيب الصف العربي ، بعيدًا عن الاستقطاب ، نحو تحالفات عقلانية مرنة، قائمة على المصالح المشتركة والأمن الجماعي ، التقارب العربي – العربي، إن وُجدت له الإرادة السياسية، سيكون خط الدفاع الأول ضد كل المشاريع التي تتعامل مع المنطقة كساحة نفوذ لا كفضاء سيادي مستقل.
و في الختام: ليست العبرة أن نُدين طرفًا ونُبرئ آخر، بل أن نُراجع أنفسنا ، وعلى البرلمانات العربية ان تستثمر تنمية المواقف التي تعبر عن ارادة الشعوب دون الارتهان لاحد ، وتوقذ الشعرور العام ان هذه الحرب لم تكن مجرد مواجهة عسكرية ، بل جرس إنذار استراتيجي للعرب جميعًا حكام ومحكومين : ان السيادة تُبنى، و الأمن يُؤسس، والاقتصاد يُحصّن، والمشروع العربي إن لم يُكتب بأيدينا، سيُفرض علينا بقلم الآخرين و ارادتهم.
وكما يعلم الساسة العرب ان التحالفات الداخلية أقوى من التبعية ، و التقارب العربي أولى من الارتهان لمحاور خارجية ، فالإعلام والمعلومات سلاح حاسم في تشكيل الوعي لا يقل أهمية عن الطائرة المسيّرة و الصاروخ البالستي ، فالشعوب تراقب ، وتنتظر ان يكون لدى العرب كل العرب سلاح الردع الذي يضمن المحافظه على كرامة العرب كل العرب.