مؤشر البيتزا .. غارات تطبخ بصمت!
دانة المجالي
29-06-2025 04:07 PM
رغم أن التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران قد انتهى، إلا أن النقاشات التي رافقته لا تزال مستمرة، وخصوصا تلك التي تدور حول ما يعرف بمؤشر البيتزا. تلك الظاهرة الغريبة التي يصعب تصديقها في الوهلة الاولى وتدور فكرتها ببساطة: زيادة مفاجئة في طلبات البيتزا قرب وزارة الدفاع الأميركية قد تعني أن شيئا أمنيا كبيرا يطبخ في الخفاء.
ففي الأيام التي سبقت الضربات الجوية الإسرائيلية ضد مواقع تابعة لإيران، لاحظ أحد الحسابات المعروفة على احدى وسائل التواصل الاجتماعي إرتفاعا غير اعتيادي في طلبات البيتزا من ثلاثة مطاعم قريبة من مبنى البنتاغون في واشنطن. أحد الفروع في منطقة أرلينغتون تحديدا، ظهر على خرائط غوغل أكثر ازدحاما من المعتاد. وبحسب ما جرى تداوله، فإن هذه ليست أول مرة يربط فيها سلوك الطعام بتحركات عسكرية؛ إذ ظهرت مؤشرات مشابهة قبيل غزو العراق واغتيال قاسم سليماني.
اللافت أن ما يجعل هذه النظرية تصمد، ليس فقط طرافتها، بل حقيقة أن الأوضاع في الشرق الأوسط باتت غير مستقرة إلى درجة أن الناس بدؤوا يبحثون عن أي إشارة مبكرة، حتى لو كانت من خلال صناديق البيتزا. فغياب الشفافية حول التحركات العسكرية، وحرص المؤسسات الأمنية على الصمت، جعلا من التفاصيل الصغيرة كأضواء المباني، أو حركة الطيران الليلي، أو حتى ازدحام مطعم دلالات يتم رصدها بدقة.
لكن خلف هذه المؤشر الطريف، يكمن واقع لا يحتمل المزاح. فقد شكلت الغارات الإسرائيلية ورد إيران عليها لحظة مفصلية في مشهد إقليمي شديد التعقيد. صحيح أن هذه الجولة انتهت، لكن رسائلها ما زالت تتردد. الرد الإيراني هذه المرة لم يكتف بالتهديد، بل تحول إلى أفعال، ما يعكس دخول المنطقة في مرحلة جديدة تتداخل فيها السياسة بالأمن، ويغيب فيها صوت الدبلوماسية.
وفي خضم كل ذلك، يظل البعد الإنساني هو الأشد إيلاما. كل تصعيد عسكري يترك خلفه آلاف المتضررين. منازل دمرت، مدارس اغلقت ، مستشفيات تعطلت، واحتياجات أساسية انقطعت. بينما تمتلئ الشاشات بالتحليلات العسكرية والاستراتيجية، يظل صوت المدنيين بالكاد يسمع.
الحقوق الأساسية مثل الأمان، التعليم، الرعاية الصحية، وحتى مجرد الحياة، أصبحت نادرة في بعض المناطق المنكوبة. المدنيون، في أغلب الأحيان، لا ينظر إليهم سوى كأرقام في تقارير الأخبار. وبينما تتكرر الأزمات، تتآكل فرص المحاسبة، وتتراجع قدرة المجتمع الدولي على التدخل أو حتى إصدار إدانة لها وزنها.
في خضم هذا العبث، يظهر مؤشر البيتزا وكأنه تذكير بمدى اختلال موازين المنطق في عالم اليوم. أن يرتبط صندوق بيتزا بقرار بالحرب، فهذه ليست مجرد مصادفة، بل تعبير صارخ عن زمن أصبحت فيه مؤشرات الحرب تقرأ من قوائم الطلبات السريعة.
ومع أن هذه النظرية قد تبدو غريبة، إلا أن الحقيقة الأبسط والأقسى تبقى: الشرق الأوسط لا يحتاج إلى مؤشرات غذائية لندرك أنه كان وربما لا يزال على حافة الانفجار، وأن الإنسان، كما جرت العادة، هو أول من يدفع الثمن.
* مركز الدراسات الاستراتيجية