المدرسةُ ومناهُجها أوّلًا وآخِرًا
د. عماد زاهي نعامنة
30-06-2025 11:50 AM
المدرسةُ هي المؤسّسةُ الوطنيّةُ المؤهَّلةُ لإعدادِ طلبةٍ على حظٍّ عظيمٍ منَ العلمِ والمعرفةِ، مؤسّسةٌ ذاتُ سيادةٍ وريادةٍ تأخذ على عاتقيها تمليكَ طلبتِها ما ينبغي تمليكُه من معارفَ ومهاراتٍ وقيمٍ دونَ زيادةٍ أو نقصانٍ، وبعيدًا عن أساليبِ الاستجداءِ والتّكسُّبِ والتدليسِ والتهريجِ والتّضليل.. تلك الأساليب التي يختلقُها طُوّاف الليلِ وهم يطرقونَ الأبوابَ ويجوبونَ المنازلَ آناءَ الليلِ وأطرافَ النّهارِ….
منصّاتٌ كئيبةً تخدعُ الطّلبةَ زُمرًا؛ فتشرِّقُ وتغرِّبُ في ابتداعِ ملخّصاتٍ باليةٍ ومكثّفاتٍ متهالكَةٍ ودروسٍ خاصّةٍ خرقاءَ، وتوقُّعاتٍ شيطانيّةٍ شوهاءَ…وبطاقاتٍ هُلاميَّةٍ رعْناءَ؛ ليرضى عنها مَن أسَرتْهم في شرَكِها؛ فتزينَ لهم سوءَ أعمالِها، حتّى إذا جاءتْ ما سوّلتْ لهم به أنفسُهم وما خطّتْه أيديهِم من كراريسَ عمياءَ بما لا تهوى أنفسهم في الامتحانِ الوزاريِّ أتَوْك ذووها يتباكَوْنَ ويتشاكَوْنَ يحلفونَ بالله جهدَ أيْمانِهم: تاللهِ، إنّها ذاتُ فقراتٍ من كوكب آخرَ الكتابُ منها براءٌ… وآخرونَ يصمونَها بالخطأِ والخللِ والزّللِ… وطائفةٌ ثالثةٌ تفغرُ فاها: صعبةٌ صعبةٌ ما لنا بها مِن قَبْلُ عهدٌ ولا قِبَلٌ … .
ولَعَمري، لن ترضى عنكم المنصّاتُ ولا نظيراتُها حتّى تنسخَ الورقةُ الامتحانيّةُ الوزاريَّةُ ما حوَتْه هذه وتلكَ من توقُّعاتٍ باليةٍ أودعوها كراريسَ صفراويّةً هزيلةً، مسَخوا بها المقرّرَ المدرسيّ الرسميَّ وقطّعوا أوصالَه وروابطَه وتكاملَه، وراحوا يتغنَّوْن بدوسيّاتِهم المبتورةِ وأوراقِهم المنقوصةِ، بل واشتطّوا في ذلك أيَّما شطَطٍ حين منحوها الأفضليّةَ على الكتابِ، مُروِّجينَ إليها بأساليبَ دنيئةٍ وألاعيبَ هوجاءَ وأفاعيلَ نكراءَ، علَّهم بهذا الصنيعِ اللاإنسانيّ يُكاثِرونَ فرائسَهم وطرائدَهم من الطلبةِ وذويهم الّذينَ لوحتَ جباهَهم لافحُ الشمسِ بسعيهمِ إلى توفيرِ مصادرِ الرزقِ العفيفِ لبيوتِهم.
فكفى أيّها الطلبةُ النّجباءُ وأولياءُ الأمورِ الأعزّاءُ انخداعًا وانجرارًا وراءَ أدعيةِ العلمِ وهم في الحقّ سماسرةُ العلمِ لا دُعاتُه، وجُباةٌ ولصوصٌ لِما في جيوبِكم…
فيا أيُّها الخلقُ والبَشرُ، اصدعوا للحقِّ ودعوا الطلبةَ وشأنَهم، دعوهم لِمدارِسِهم ومقرّراتِها الدّراسيّةِ الرّسميّةِ، ولمدرِّسيهم في مدارِسهم تلكَ، فهذادضرورةٌ لا اختيارٌ، بعيدًا عن المنصّاتِ والملخّصاتِ والمكثّفاتِ والتّوقّعاتِ فذلك ضربٌ من الضّياعِ؛ وتجنٍّ على مؤسّساتِ وزارةِ التّربيةِ والتّعليمِ حاضنةِ الإبداعِ والتّميُّز، الحريصةِ على أبنائِها كلَّ الحرصِ.
ومستصفى القولِ، وفي مقابلةٍ متلفزةٍ موفَّقةٍ لمعالي وزيرِ التربيةِ والتعليمِ الأستاذِ الدكتورِ عزمي محافظة الذي جلّى الأمرَ وضوحًا وفي غايةِ الشّفافيةٍ وبأسلوبٍ علميٍّ رصينٍ مبيِّنًا أنَّ فريقًا متخصِّصًا حلّلَ الفقراتِ الاختباريّةَ الخمسَ والعشرينَ (الاختيار من متعدّد) وفقَ معايير معاملِ التّمييزِ للصعوبةِ والسّهولةِ فتبيّنَ أنْ لا صعوبةَ فيها وفق المعاييرِ العالميّةِ… إذْ إنّ أصعب سؤالٍ فيها، بلغت نسبة إجابات الطلبةِ عليهِ إجابةً صحيحة وفقَ التحليلاتِ الرياضيّة والإحصائيّة لإجاباتِ الطلبةِ بلغت نسبة 34%…
وهذا يؤكِّدُ ضرورةَ اتِّباعِ الأساليبِ العلميّة والمنهجيّةِ في الحكمِ على الأمورِ لا الانجرارَ وراءَ الانطباعاتِ والعواطفِ والطّوفان ِ في مستنقعِ دموعٍ لا مسوِّغ لها… حيث كانتْ مقابلةً بحقّ موفّقة وحواريّةً موثّقةً بالأرقامِ والمنهجيّةِ العلميّة بعيدًا عنِ الأحكامِ الانطباعيّة واستدرارِ العواطفِ؛ ما جعلها بمنزلةِ المثلِ السّائرِ" قطعتْ جهيزةُ قولَ كلِّ خطيبٍ".
أمّا المتذرِّعونَ زورًا وبهتانًا بضيقِ الوقتِ،فلا يخفى ما لمهارةِ إدارةِ الوقتِ من أهمّيّة في مثلِ هذهِ المواقفِ، وهذا سوءٌ لإدارةِ الوقتِ من لدنِ الطلبةِ، وليسَ حُجّةً على الامتحانِ ضعفًا و قوّةً أو سهولةً وصعوبةً، علمًا أنّه لم يبدِ أيُّ مشتركٍ شكوى أو تذمُّرًا من ضيقِ الوقتِ، ولم يطلبْ أحدٌ منهم زيادةً في الوقتِ إطلاقًا، وأقولُ هذا مِنْ واقعِ تجوالي في قاعاتِ امتحاناتِ الثانويّةِ ميدانِ الحدثِ نفسِه؛ كوني أحدَ أعضاءِ لجنةِ امتحاناتِ الدّراسةِ الثانويّةِ العامّةِ في إحدى مديريّاتِ التربيةِ والتعليمِ. مع التأكيدِ في الوقتِ ذاتهِ أنّ لجنة إعدادِ الأسئلةِ أنْهَتِ الإجابةَ عنِ الورقةِ الاختباريّةِ بصورةٍ فرديّةٍ في وقتٍ لمْ يتعدَّ الأربعينَ دقيقةً لا غيرَ، ومن المتعارَف عليهِ في منظومةِ الامتحانِ أنّ الطالبَ يُعطى من ثلاثةٍ إلى أربعةِ أضعافِ ذلك الوقتِ؛ ما يعني كفايَتَه وزيادةً في حالِ أحسنَ الطالبُ إدارةَ وقتِه.
ويكفي الورقةَ الاختباريّةَ عدالةً ومهنيَّةً أنّها جاءتْ من كتابي الطالب والتمارينِ المقرّرينِ رسميًّا تدريسهما في مدارسِ وزارة التربيةِ والتعليمِ، ولم تحدْ عنهما قيدَ أنملةٍ، وهذه شهادةٌ أدلى بها القاصي قبل الدّاني، وعلى رأسِهِم منتقِدو تلك الورقة ومُجرِّموها زيفًا وبهتانًا، وهذا ما أكّدَتْه الوزارة في بيانٍ واضحٍ لا يترك مجالًا للشكّ من خلالِ مزاوَجةِ أسئلةِ الامتحانِ الوزاريِّ بما يقابلُها في كتابِ الطالبِ وكتابِ التّمارينِ الرسميّينِ - منشورةٌ على موقعِ الوزارةِ- لا الدوسيهات والملخّصاتِ والمكثّفات وما شاكلَها من التواءاتٍ وعبثيّةٍ.