أزمة ثقة في التوجيهي: دعوة لتعزيز العلاقة بين وزارة التربية والطلبة
أ. د. مصطفى الهيلات
01-07-2025 07:01 PM
لقد أثارت الانتقادات الأخيرة لأسئلة امتحان الثانوية العامة (التوجيهي) في الأردن، وخاصةً في مبحث الرياضيات، جدلاً واسعًا في الساحة التعليمية والمجتمعية. هذه الانتقادات، التي ركزت على مستوى صعوبة الأسئلة أو مدى ملاءمتها للمنهج المقرر، خلقت شعورًا لدى قطاع واسع من أفراد المجتمع الأردني بعدم الثقة والتشكيك في العلاقة بين وزارة التربية والتعليم والطلبة وأولياء الأمور وبعض أفراد المجتمع، وهي علاقة محورية لا بد أن تكون قائمة على الثقة المتبادلة والحرص على مصلحة الطالب والوطن الذي نحب ونعشق.
من الضروري التأكيد على أن هذه العلاقة يجب أن تبقى مصانة وقوية ومتينة وغير قابلة للشك، وأن أي تساؤلات أو ملاحظات حول الامتحانات يجب أن تُطرح في إطار بناء وشفاف، يهدف إلى تحسين العملية التعليمية وضمان العدالة للجميع، لا إلى تقويض الثقة وإثارة الشكوك. وهذا لا يعني أن تدير الوزارة ظهرها للطلبة والمعلمين وبعض المراكز التعليمية التي علا صوتها، بل لا بد من الاستماع لوجهات نظرهم بإنصات واحترام وتقدير، بعيداً عن أي عاطفة أو انحياز.
إن الفيصل الحقيقي في هذه القضية يتمثل في إجراء دراسة إحصائية معمقة وموضوعية حول طبيعة الأسئلة ومستواها، تستند إلى بيانات وتحليلات علمية دقيقة. هذا الحوار البنّاء المدعوم بالأدلة هو السبيل الأمثل لمعالجة هذه القضايا، وتعزيز الثقة في نظامنا التعليمي. مع الإشارة أنه ليس من المنطق ولا المقبول أن يحصل جميع الطلبة على درجات مرتفعة في الاختبار، فالاختبار الجيد لا يقتصر على قياس المعرفة فحسب، بل هو الذي يراعي الفروق الفردية بين الطلبة، ويمتلك القدرة على التمييز بإنصاف بين الطالب الدارس والمثابر والفاهم الذي بذل جهدًا حقيقيًا يؤهله لتحصيل درجات مرتفعة، وبين من اكتفى بجهد أقل أو متواضع.
وفيما يأتي بعض الأفكار والمقترحات لتعزيز الثقة وتطوير الاختبارات:
•تخصيص آليات واضحة للطلبة والمعلمين وأولياء الأمور لتقديم الملاحظات والشكاوى حول الامتحانات بشكل منهجي ومضمون الاستجابة له.
•إجراء دراسات إحصائية وتحليلية شاملة ومفصلة بعد كل امتحان توجيهي لتحليل أداء الأسئلة (مثال: معامل الصعوبة، معامل التمييز، التوزيع الطبيعي لدرجات الطلبة). ويجب نشر نتائج هذه الدراسة وبيان الدروس المستفادة ومشاركة ملخصات هذه الدراسات مع المعنيين (المعلمين، أولياء الأمور، المراكز التعليمية) بطريقة شفافة، وهذا يبني الثقة ويظهر الجدية في الاستماع للانتقادات.
•إجراء دراسات نوعية وكمية منتظمة عن طبيعة الأسئلة، وهل تقيس الفهم والمهارات العليا أم مجرد الحفظ والتلقين.
•تنظيم لقاءات أو منتديات حوار مفتوحة بشكل دوري بين ممثلين عن وزارة التربية والتعليم والطلبة والمعلمين وأولياء الأمور لمناقشة قضايا التعليم والامتحانات، والاستماع إلى الآراء المختلفة بصدر رحب.
•على الوزارة تبني دور إعلامي أكثر فاعلية في توعية الطلبة والمعلمين بمنهجية الامتحانات، وكيفية التعامل مع أنماط الأسئلة المختلفة.
•
التأكد من أن المناهج الدراسية، وخاصة في الرياضيات، تركز على تنمية مهارات التفكير النقدي، وحل المشكلات، والإبداع، بدلاً من الحفظ، بحيث تتواءم طبيعة الأسئلة مع أهداف المنهج.
•توفير برامج تدريب مستمرة للمعلمين على أساليب تدريس تحفز التفكير النقدي والإبداعي، وكيفية إعداد أسئلة تقيس هذه المهارات، مما يقلل من الفجوة بين طريقة التدريس ونوعية أسئلة الامتحانات.