قمة وراء الأبواب: لماذا ينتظر العالم لقاء ترامب وشي؟
فراس النعسان
02-07-2025 12:36 PM
ينظر العالم إلى اللقاء المرتقب بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ، وسط أجواء دولية مشحونة، ومناخ اقتصادي وسياسي يتأرجح بين التصعيد والانفراج.
اللقاء، وإن لم يُعلن بعد عن موعده النهائي، بات محط أنظار العواصم الكبرى، نظرًا لما يحمله من رهانات تتجاوز العلاقات الثنائية لتطال مستقبل النظام العالمي.
تكمن أهمية هذا اللقاء في كونه يأتي بعد مرحلة طويلة من التوتر الأميركي‑الصيني، شملت تصعيدًا تجاريًا واسع النطاق، وفرض تعريفات جمركية متبادلة أثّرت على حركة التجارة العالمية. فبعد أن وصلت التعريفات الأميركية على بعض البضائع الصينية إلى 145%، وردّت بكين بإجراءات مماثلة، بدت الحاجة ملحّة إلى قنوات حوار مباشر بين الزعيمين.
لذلك فإن أي مؤشرات إيجابية تصدر عن هذا اللقاء قد تعيد ضبط العلاقات التجارية والاقتصادية، وتفتح الباب لتخفيف الضغط على الأسواق الدولية المتأثرة بالتوترات بين القوتين الأكبر في العالم.
إلى جانب التجارة، هناك ملفات أخرى تفرض نفسها على طاولة اللقاء، أبرزها ملف بحر الصين الجنوبي، حيث تصر الولايات المتحدة على مبدأ “حرية الملاحة”، بينما تسعى الصين إلى تثبيت سيادتها على مناطق تعتبرها امتدادًا طبيعيًا لنفوذها الإقليمي. كما سيحضر ملف كوريا الشمالية بقوة، لا سيما أن واشنطن تعوّل على الضغط الصيني لدفع بيونغ يانغ نحو مسار نزع السلاح النووي، في وقت يشهد فيه هذا الملف جمودًا منذ أكثر من عام. ولا يغيب ملف التكنولوجيا أيضًا، خاصة في ظل سباق السيادة على التقنيات المتقدمة، من الذكاء الاصطناعي إلى أشباه الموصلات، وهي المجالات التي باتت مسرحًا لتنافس جيوسياسي بامتياز.
من الجانب الصيني، يبدو أن بكين ترى في هذا اللقاء فرصة استراتيجية لترميم صورتها الدولية، وتأكيد موقعها كقوة عظمى متكافئة مع واشنطن. فالرئيس شي، الذي يواجه تحديات داخلية تتعلق بالنمو الاقتصادي وضغوط الشركات الدولية، يريد أن يظهر بوصفه زعيمًا قادرًا على إدارة التوازنات مع أميركا، لا مجرد طرف في معادلة تفرضها واشنطن. كما أن اللقاء يمنحه فرصة لتعزيز موقعه داخل الحزب الشيوعي، في لحظة تاريخية يسعى فيها لترسيخ رؤيته لعالم متعدد الأقطاب.
أما الولايات المتحدة، فمن المرجح أن يستثمر ترامب هذا اللقاء في إطار حملته الانتخابية، لإبراز قدرته على إعادة التواصل مع خصومه الجيوسياسيين، وتحقيق مكاسب تجارية لصالح الاقتصاد الأميركي.
وفقًا لبعض المراقبين الأميركيين، فإن ترامب يبحث عن “لحظة نصر” على المسرح الدولي، تمهّد لعودته إلى البيت الأبيض بثوب رجل الدولة، لا فقط رجل الأعمال.
لكن اللقاء لا يقتصر أثره على واشنطن وبكين فقط، بل إن انعكاساته تطال مناطق ملتهبة حول العالم. في الشرق الأوسط، مثلًا، يشكّل أي تقارب أميركي‑صيني عامل توازن يمكن أن يحد من حدة الاستقطاب الذي يغذّي الصراعات في إيران وسوريا واليمن. كما أن تخفيف التوتر بين واشنطن وبكين قد ينعكس على تموضع روسيا، التي تسعى للاستفادة من الانقسامات بين الكبار، لتوسيع هامش نفوذها في أوكرانيا وأفريقيا ومناطق أخرى. وعلى نحو غير مباشر، قد تتأثر تايوان أيضًا، إذ أن أي تهدئة بين بكين وواشنطن قد تفتح الباب أمام تسويات مؤقتة تُعيد ضبط الإيقاع العسكري في مضيق تايوان.
عدد من المقالات الأميركية والصينية أشار إلى أهمية هذا اللقاء. الكاتب الأميركي مايكل فوكس حذّر من أن “الولايات المتحدة قد تخسر تحالفاتها الإقليمية إن هي أخفقت في تقديم رؤية استراتيجية مستقرة تجاه الصين”، بينما اعتبر الباحث الصيني وو شينبو أن على بكين أن “تتمسّك بمصالحها الأساسية، لكن دون التصادم المباشر، مع استخدام المرونة الاستراتيجية كوسيلة للتهدئة المرحلية”.
في المحصلة، قد لا يُنتج هذا اللقاء اختراقات حاسمة، لكنه بلا شك يؤسس لمسار جديد في العلاقات الدولية. وما بين خطوط الحوار ومسارات الصراع، يبقى الرهان على قدرة الزعيمين على قراءة موازين القوى بواقعية، بعيدًا عن لغة الشعارات والمكاسب اللحظية.