سياحة في الأرقام وأزمة في التأثير
أ. د. ابراهيم بظاظو الكردي
03-07-2025 03:03 PM
في عام 2025، يواصل القطاع السياحي الأردني تسجيل مؤشرات نمو على صعيد عدد الزوار والإيرادات، مما يعكس جهودًا واضحة في الترويج والتسهيلات. غير أن القراءة التحليلية تُظهر أن هذا النمو لا يزال يحمل طابعًا كميًا أكثر منه نوعيًا، في ظل تركز جغرافي، وموسمية خانقة، وضعف في التشغيل، وغياب للبيانات النوعية الدقيقة.
■ 3.2 مليون زائر في 6 أشهر… ولكن
تشير الأرقام الرسمية إلى أن الأردن استقبل خلال النصف الأول من عام 2025 نحو 3.2 مليون زائر، مقارنة بـ 2.9 مليون زائر للفترة ذاتها من عام 2024، أي بزيادة بلغت 10.3%.
لكن هذه الزيادة ترافقها مشكلة تركز جغرافي حاد، إذ أن نحو 78% من الزوار توجهوا إلى عمّان، العقبة، والبحر الميت، بينما بقيت محافظات ذات مقومات سياحية مهمة كالكرك، الطفيلة، جرش، والمفرق خارج دائرة الاستفادة.
هذا التركز الجغرافي يُضعف من فرص التنمية المحلية، ويقلل من العدالة في توزيع العوائد الاقتصادية للسياحة على مختلف مناطق المملكة.
■ إيرادات مرتفعة دون أثر تنموي واضح
بلغت الإيرادات السياحية حتى يونيو 2025 حوالي 2.2 مليار دينار أردني، مقارنة بـ 1.97 مليار دينار لنفس الفترة من 2024، بنسبة نمو بلغت 11.5%.
ورغم هذا، فإن متوسط إنفاق السائح الأجنبي لم يتجاوز 97 دينارًا يوميًا، وهو رقم متواضع عند مقارنته بدول مجاورة مثل تركيا (135 دينارًا) أو الإمارات (180 دينارًا).
والأهم، أن هذه الأرقام لا تُظهر تفاصيل نوعية: لا يُعرف على وجه الدقة كم من هذه الإيرادات تعود لسياحة المؤتمرات، أو العلاج، أو المغامرة، أو السياحة الدينية. كما أن البيانات لا توضح مدى مساهمة الزوار المحليين في هذه الأرقام، ما يُفقد المؤشر دقته في التقييم.
■ الموسمية تُقيد الاستثمار
تشير بيانات وزارة السياحة وهيئة تنشيط السياحة إلى أن 60% من حركة السياحة السنوية تتركز في أشهر نيسان، أيار، حزيران، وأيلول.
أما في أشهر الشتاء، فتنخفض نسب الإشغال في الفنادق إلى ما دون 35% في العديد من الوجهات.
هذا التذبذب الموسمي يجعل من الصعب على المستثمرين والمشغلين السياحيين التخطيط طويل الأجل، ويحد من الاستدامة التشغيلية في القطاع، خاصة في المحافظات الأقل حظًا.
■ التوظيف لا يواكب الازدهار الرقمي
بلغ عدد العاملين في القطاع السياحي بنهاية عام 2024 نحو 53 ألف موظف، إلا أن معدل النمو في التشغيل لم يتجاوز 1.8% حتى منتصف عام 2025، رغم ارتفاع عدد الزوار والإيرادات.
هذه المفارقة تطرح تساؤلات حول مسار العوائد المالية: هل تُعاد استثمارها فعليًا في توظيف الأردنيين؟ أم تُنفق في مسارات تذهب خارج السوق المحلي أو لا تولد فرصًا عمل حقيقية؟
كما أن الفجوة بين العائدات وعدد الوظائف المستحدثة تدل على محدودية الأثر التنموي للسياحة في صورتها الحالية.
■ فجوات في البيانات... ومشهد ضبابي
لا تزال البيانات الرسمية تفتقر إلى التحديث والتفصيل. فلا تتوفر حتى اليوم أرقام دقيقة توضح توزيع الزوار حسب نوع السياحة (بيئية، دينية، علاجية، ثقافية، مغامرة...)، ولا حسب الفئة العمرية، أو مدة الإقامة، أو جنسية السائح بشكل مفصل.
كما يُغيب التحليل أثر القطاع السياحي غير الرسمي، والذي يُعتقد أنه يشكل أكثر من 15% من النشاط السياحي، لكنه لا يدخل في حسابات الإيرادات الرسمية أو التشغيل.
هذا الغياب في المعلومات يُعطّل التخطيط ويُضعف فاعلية الترويج السياحي الموجّه.
■ تفاؤل إعلامي... بلا أرقام دقيقة
رغم تكرار تصريحات رسمية تتحدث عن "إنجازات سياحية غير مسبوقة"، إلا أن هذه التصريحات غالبًا ما تأتي دون تحليل مفصل أو مقارنة إقليمية شفافة.
لم تُنشر حتى الآن بيانات توضح نسبة الزوار العابرين (Transit visitors)، أو أولئك الذين دخلوا المملكة دون إقامة فعلية، ولا عن متوسط عدد الليالي السياحية لكل فئة، وهو مؤشر حيوي لتحديد الأثر الاقتصادي الحقيقي.
■ السياحة تحتاج تحوّلاً نوعيًا
إن النهوض الحقيقي بالقطاع السياحي الأردني لا يتحقق عبر تضخيم الأرقام، بل من خلال تحول نوعي يشمل:
توزيعًا جغرافيًا أكثر عدالة لعوائد السياحة.
خلق فرص عمل نوعية ومستدامة للأردنيين.
كسر الموسمية بتنويع المنتجات السياحية على مدار العام.
توفير بيانات دقيقة ومحدثة لدعم صناعة القرار.
تطوير سياسات ترويج نوعي تعتمد على خصائص السوق المستهدف.
فالأردن لا يعاني من نقص في المقومات السياحية، بل من غياب التكامل الاستراتيجي في إدارتها وتسويقها. وحين يتحول النمو الرقمي إلى أثر اجتماعي واقتصادي ملموس، يمكننا الحديث حقًا عن صناعة سياحة مزدهرة، وعادلة، ومستدامة.
* أستاذ الجغرافيا السياحية، الجامعة الأردنية