* تهافت المواقع على تشويه الوقائع

في الوقت الذي تتهافت فيه الأمم على التسلح بقوة العلم، واستغلال ما تتيحه قنوات البحث من موارد معرفية نفيسة، فإن كثيرًا من المُتثقّفين ينأونَ بأنفسهم عن متعة البحث ولذة الوصول إلى الأجوبة من منابعها؛ فيركنون إلى الراحة وينزلون منازل العامة في اعتقاد الموجودِ رأيَ العينِ دون التثبت من وجوده بطَرقِ أبواب اليقين، في غَياباتِ الإشاعة.

يأتي هذا الطرح انطلاقًا مما تداولته مواقع التواصل الاجتماعي عامة، وردًّا على مقال: "تقليل حصص التربية الإسلامية" للسيد: محمد الصبيحي -خاصة، الذي أشار فيه إلى "الدكتورات" اللواتي ذُيّلَ محضر الاجتماع -موضوع المقال- بأسمائهن، مَثَلُه في ذلك كمثلِ كثيرٍ غيره ممن فاتهم ركب الاطلاع وخانتهم مهارة فهم النص، فتساءلوا عن صفاتهنّ، وعن مصدر شهادة كلٍّ منهن، ظنًّا منهم أن في شرح هذا الحال يكمن الجواب عن ذاك السؤال.

على أن الجواب مكتوب في المحضر صادحًا لأولي الألباب؛ ففي مقدمته، خُطّ بوضوح أن القرار كان لأعضاء لجنة التخطيط التي ظن المارّة أنها مكونة من ثلاث سيدات، مع أن المحضر أشار بوضوح يفهمه أي ناطق بالعربية إلى وظيفة كل منهن؛ ففوق كل اسم من أسماء هؤلاء السيدات الأردنيات كُتبَت صفاتهن الوظيفية.

ولتصويب وجهة الفهم التي أضلتِ الموجةُ أصحابَها؛ فَفضَّلوا ركوبَ الخطرِ فيها على الركون إلى سلامة التثبت منها، فإنه يمكن إرشادهم إلى الاطلاع على نظام التنظيم الإداري لوزارة التربية والتعليم لسنة 2001، وهو النظام الذي تُشكَّلُ لجنةُ التخطيط بموجب أحكام مواده: (10) و(11) و(12) برئاسة الوزير وعضوية الأمين العام للشؤون الإدارية والمالية، والأمين العام للشؤون التعليمية، ومديري الإدارات البالغ عددهم (17) في مركز الوزارة، فتجتمع اللجنة بدعوة من رئيسها أو نائبه عند غيابه كلما دعت الحاجة لذلك، وتتخذ قراراتها وتوصياتها بالإجماع أو بأغلبية أعضائها.

واستنادًا إلى ذلك، فإن قرارات لجنة التخطيط في الوزارة غير مركزية، ووجهاتها غير عبثية، وهي ليست منوطة بـ "ثلاث سيدات" يرسمنَ سياسات الوزارة انطلاقًا من أجندات افتراضية، وإنما تخضع للمدارسة والنقاش خلال اجتماعاتها، حتى الوصول إلى القرارات والتوصيات التي تأتي امتدادًا للميدان التربوي، بما ينفع الطلبة ويتسق مع الصالح العام، ويتناسب مع فلسفة الوزارة التي يمكن للعامة والمثقفين الاستزادةُ حولها أيضًا بالرجوع إلى قانون التربية والتعليم رقم (3) لسنة 1994.

واستجابة لرغبة الميدان التربوي في إعادة توزيع الحصص بما يتوافق مع محتوى كلٍّ من منهاجي التربية الإسلامية وتاريخ الأردن للصف الحادي عشر حصرًا، خلُصت نقاشات أعضاء لجنة التخطيط إلى ضرورة زيادة عدد حصص تاريخ الأردن من (3) إلى (4)؛ لتمكين معلمي المادة من إيصال مضامينها إلى الطلبة بدقّة، وانطلاقًا من توصيات الميدان أيضًا، خلُصت اللجنة إلى ضرورة تقليص عدد الحصص للتربية الإسلامية بوصفها منهاجًا مدرسيًّا ذا محتوى علمي يمكن إعطاؤه في (5) حصص أو أقل، وليس بوصفها عقيدة دينية لا يمكن احتواء مضامينها مهما تعددّتِ الحصص.

وعلى ذلك، أعول على من يتصدرون المشهد من مثقفي أردننا الغالي، تحري الأدوات الآيلة إلى زيادة الوعي ودقة الفهم، والاطلاع على الأنظمة والقوانين التي توجه سير مؤسسات الوطن، لتجنب إطلاق بعض الأحكام العاطفية؛ كهذا الذي أُطلِق لمجرد عدم التمييز ما بين مادة علمية مؤطرة في خطة دراسية، وما بين عقيدة كونية لا يمكن تأطيرها، مهما اتسعت الحدود.

* دكتوراة في الفلسفة/ اللغة العربية (اللغة والنحو)/ اللسانيات التطبيقية

* مصدر "الدال": جامعة اليرموك الأردنية