الأردن وسوريا: نعم الجيرة وأصالة الأخوّة والمصير المشترك
أ.د. أحمد منصور الخصاونة
06-07-2025 02:03 PM
في خضم التحولات العاصفة التي شهدتها المنطقة ، ظلّت العلاقة الأردنية السورية نموذجًا يحتذى في حسن الجوار وأصالة الأخوّة العربية. بين ضفتي نهر اليرموك، وحول جبال حوران الممتدة، تعمّدت هذه العلاقة بالتاريخ المشترك والدماء الزكية التي امتزجت على أرض فلسطين. هذه العلاقة، التي صيغت عبر أجيال بوعي الشعوب ، تشكل رابطًا قويًا بين الشعبين الشقيقين، وتؤكد على المصير المشترك الذي لا يمكن فصلهما عنه.
منذ أن تدفق الأشقاء السوريون إلى الأردن على وقع الأزمة التي عصفت ببلادهم، حمل الأردنيون هذا الامتحان الإنساني كما عهدهم العالم: بصبر وشهامة. لم يكن السوريون في المخيمات وحدهم، بل كانوا بيننا في الأحياء والأسواق والمدارس والجامعات، كأنهم امتداد طبيعي للنسيج الأردني، بلا غرابة ولا تمييز. هؤلاء الجيران الأعزاء أظهروا دائمًا رقيًا في التعامل وأخلاقًا عالية تحظى بالاحترام، وساهموا بكل طاقاتهم في مسيرة التنمية، سواء في سوق العمل أو في التعليم والطب والمشاريع الاقتصادية. لم نشعر يومًا أن بينهم وبيننا حواجز نفسية أو اجتماعية، فقد قاسمناهم اللقمة كما قاسمونا الحب والاحترام.
وقد احتضن الأردن القضية السورية من منظور إنساني وأخوي، تحت توجيهاته السديدة لجلالة الملك عبدالله الثاني، مع الحفاظ على أمنه الوطني واستقراره، في معادلة صعبة برع الأردن في إدارتها بحكمة مشهودة عالميًا. ومن جانب آخر، نلاحظ تحولات إيجابية في القيادة السورية، التي بدأت تعيد سورية إلى موقعها الطبيعي عربيًا، وإلى حضن أشقائها، وهو ما يبعث على الفخر والأمل معًا.
ومن الصور المشرقة التي جسدت متانة العلاقة بين الشعبين والقيادتين، مشهد مشاركة كوادر الدفاع المدني الأردني في إخماد حرائق الساحل السوري. في وقت كانت النيران تأتي على الغابات والمزارع والبيوت، لم يتردد الأردن لحظة في إرسال فرقه وأطفائييه لإسناد الأشقاء، يدًا بيد، في مشهد إنساني نبيل يختزل كل معاني الجيرة الطيبة والتكافل. كان هذا التعاون ليس مجرد واجب إنساني، بل رسالة سياسية وأخلاقية بأننا في الأردن نرى في سوريا جزءًا من ذاكرتنا وجغرافيتنا ومصيرنا، وأن ما يصيبها يصيبنا، وما يسعدها يسعدنا.
وقد عبرت الحكومة السورية عن بالغ شكرها وتقديرها للأردن على استجابتها السريعة والمهنية في التصدي لهذه الكارثة، مشيدةً بالدور الإنساني الكبير الذي تضطلع به المملكة في مختلف الظروف والمواقف، تحت قيادة جلالة الملك عبدالله الثاني. هذه المساعدات تعكس حقيقة متانة العلاقة بين البلدين، حيث ينظر الأردنيون إلى السوريين كأهل ورفاق مصير في كل الأوقات.
وعلى مر العقود، شكّل الأردن أنموذجًا في الاعتدال والهدوء والحكمة، صابرًا على التحديات السياسية والاقتصادية والديموغرافية، وداعمًا لقضايا أمته بعيدًا عن الانفعال والمزايدات. وفي المقابل، تبقى سوريا بلد المجد والحضارات، الأرض التي شهدت أقدم المدن والعواصم وأعمق التجارب الإنسانية. هذه الثنائية، بين حكمة الأردن وعمق سوريا، تجعل من العلاقة بينهما رصيدًا استراتيجيًا للأمة العربية كلها.
وعندما نقول إن الأردن وسوريا حال واحد ومصير مشترك، فإننا لا نبالغ. فقد عاش البلدان معًا الحروب والنكبات، وتقاطعت دماء جنودهما في ميادين البطولة. واليوم، في زمن إعادة الإعمار والبحث عن الاستقرار، يقف الأردن إلى جانب سوريا، داعيًا إلى حل سياسي ينهي معاناة الشعب السوري ويحفظ وحدة أرضه وهويته العربية. لإن ما يجمع الأردن وسوريا أكبر من أي خلاف طارئ. فعلى الرغم من ما أصاب العلاقات أحيانًا من فتور بسبب الظروف السياسية، إلا أن الثوابت لم تتغير. اليوم، ومع عودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، تتعزز الآمال بمستقبل أفضل يعيد للاقتصادين الأردني والسوري حيويتهما، وللشعبين كرامتهما، وللمنطقة برمتها أمنها واستقرارها. لقد آن الأوان أن تترجم هذه الروح الأخوية إلى برامج تعاون عملية على كل الصعد: في التجارة والاستثمار، في الطاقة والمياه، في الأمن الغذائي والتبادل الثقافي.
آن الأوان أيضًا أن تعود قوافل السياح الأردنيين إلى أسواق دمشق وقلعتها وأزقتها العتيقة، وأن يتوافد السوريون مجددًا إلى عمان والبحر الميت والبتراء، لتزدهر الحياة بين الشعبين كما كانت دائمًا.
واخيرا، ليس سهلاً على أي شعب أن يتحمل تبعات أزمة كبرى في دولة جارة، لكن الأردن أثبت، قيادة وشعبًا، أنه أهل لهذه المسؤولية التاريخية. مع كل التضحيات التي قدّمها الأردنيون، لم يشعروا يومًا بأنهم يمنّون على إخوانهم السوريين، بل ظلوا ينظرون إليهم كأهل ورفاق مصير. واليوم، ونحن نرى مؤشرات التقارب والتعاون تزداد قوة، يحق لنا أن نفخر بهذه العلاقة التي لم تنكسر رغم الصعاب، وأن نرفع رؤوسنا لأننا أردنا الخير لسوريا دائمًا كما نريده لأنفسنا.
وسيبقى الأردن وسوريا قلبين ينبضان في جسد واحد، حال واحد ومصير مشترك، على درب المجد والحضارة، بعون الله وإرادة الشعوب وحكمة القيادات.