الجامعة الأردنية: حين يتحوّل الحلم الأكاديمي إلى واقع عالمي
د. محمد القضاة
08-07-2025 04:18 PM
برزت الجامعة الأردنية في مرآة تصنيف QS العالمي في مكانة تستحق التقدير، حيث يُعدّ هذا التصنيف العالمي للجامعات أحد أكثر التصنيفات الأكاديمية تأثيرًا وموثوقية، لارتكازه معايير دقيقة تجمع بين السمعة الأكاديمية، وجودة التعليم، والتأثير البحثي، ورؤية سوق العمل، والانفتاح الدولي.
وفي هذا السياق، تبرز الجامعة الأردنية مؤسسة أكاديمية تسعى بجدية لتحسين موقعها في هذه التصنيفات، مدفوعة بطموح علمي يعكس رسالتها الوطنية والبحثية، وتواصل ذلك، بما تمتلكه من كوادر أكاديمية متميزة، ونشاط بحثي متصاعد، وتنوع طلابي كبير يعزز حضورها في المشهد الدولي، حتى وصلت المرتبة 324 على مستوى العالم مدركةً أن التصنيفات العالمية لم تعد ترفًا، وإنما ضرورة لتأكيد التميّز والقدرة على المنافسة، وهذا التصنيف العالمي ليس فقط لتحسين موقعها الرقمي، وإنما لتترجم ذلك إلى واقع ملموس في جودة التعليم، وفرص العمل، وريادة البحث العلمي، والانفتاح الثقافي وبناء قادة قادرين على صناعة التغيير، ويعكس هدفًا استراتيجيًا يتمثل في جودة أدائها ومكانتها العلمية في الإقليم وخارجه.
وحين نقول إن الجامعة الأردنية صرح التغيير ومهد التعليم المتجدد؛ فلأنها لم تقبل السكون والصمت؛ وانما استمرت وانطلقت غير عابئة بالتحديات الجيوسياسية والاقتصادية، عيونها المستقبل والوطن الذي عهدها، تتقدم الصفوف في تحديث التعليم العالي، وتقود ثورة معرفية جديدة، ترتكز التعليم التفاعلي التشاركي والمدمج، والتعلم الذاتي، والمشاريع التطبيقية والمجموعات البحثية، استجابة لتحولات الألفية الثالثة ومطالبها المتسارعة، بقيادة رئيس نذر نفسه ووقته للجامعة وتطويرها بمشاركة فريق اكاديمي، وبتخطيط يومي دؤوب، حيث تتحول الجامعة إلى ورشة علمية وفكرية نابضة، تنفض غبار التلقين، وتؤسس لتجربة تعليمية تحاكي المعايير العالمية، وتستثمر طاقات أساتذتها وطلبتها، لا سيما الشباب، الذين ينهضون بمسؤولية التغيير بشغف وجدارة.
لقد مثل هذا التصنيف العالمي للجامعة لحظة فارقة في هذا المسار، إذ كشف عن وعي عميق بضرورة الانتقال من التعليم والبحث العلمي المتاح إلى نماذج أكثر فاعلية، تُخرج الطلبة من جدران القاعات إلى ميادين العمل والمعرفة، وتدفعهم للاعتماد على أنفسهم، وتحفّز فيهم التفكير النقدي والمبادرة. ومما يشار اليه انه حين تعالت شكاوى المشغّلين من ضعف جاهزية الخريجين في الجامعات كافة، كانت الجامعة الأردنية السباقة وهو ما التقطته بسرعة فائقة فوضعت خطة نفذتها مباشرة شكلت نقلة النوعية لتردم الفجوة بين التعليم وسوق العمل،لتحصّن الطلبة بالمعرفة والمهارة والممارسة من خلال فصل جاهزية العمل الإجباري الذي يدرسه الطلبة في السنة الأخيرة من دراستهم، وهو امتداد واعٍ لرؤية وطنية عبّر عنها جلالة الملك في ورقته النقاشية السابعة، التي دعت لنوعية علمية متميزة.
وها هي الجامعة الأردنية تدعو الجميع -أكاديميين وطلبة- إلى الانخراط الفعلي في هذا التحول، إذ لا مجال فيه للركود أو التردد، بل هو مسار مصيري لا يُؤجَّل، ومن لا يملك بديلاً فليفسح الطريق لروح التجديد. فالتغيير لا يستثني تخصصاً، ولا يعترف بالعقبات، إذ إن العلم لا ينتظر، والتاريخ لا يصبر على المتقاعسين.
الجامعة الأردنية اليوم لا تكتفي بالريادة، بل ترسّخها بالفعل، وتفتح أبواب المستقبل أمام طلبتها بثقة وإصرار. وعلى كل من ينتمي لهذا الصرح أن ينهض بمسؤوليته، فالأوطان تُبنى بالعلم، والتاريخ يُصنع بالقرار الجريء، ولا مكان للمتخاذلين في ميادين النهضة.
وبعد، لا بد من الاشارة إلى ما تتعرض له الجامعة الأردنية من حملات تجنٍّ وتشويه في هذه الآونة من بعض الحاقدين وفاقدي الضمير؛ إذ لا بد من الوقوف بجرأة ومسؤولية دفاعًا عن الإجراءات الحازمة التي اتخذتها الجامعة، والتي تنبع من التزامها بالقانون، وحرصها على المصلحة العامة. فهل تُعاب الجامعة على اجراءاتها الصارمة وملاحقتها المتجاوزين على الأنظمة والتعليمات والاخلاق العامة قبل عامين وفي وقت قياسي، ولماذا هذه الأسطوانة المشروخة في هذا التوقيت وفي زمن تنال فيه الجامعة أعلى أوسمة التقدير والفخار العالمي العالمي، ومن لدن صاحب الجلالة الهاشمية وولي عهده الامين على تميزها وتقدمها العلمي غير المسبوق، وهل يستحق من يتابع شؤون الجامعة صباح مساء، دون كلل، إلا الاحترام والتقدير، إن الإساءة للجامعة على خلفية أداء واجبها ليست إلا استهدافًا لكل صوت إصلاحي نزيه، ومحاولات التشكيك والاتهام هذه تعكس واقعًا مؤسفًا يسوده خطاب الكراهية والتسطيح الإعلامي، وتغذيه منصات التواصل وبعض الصحافة الصفراء. وفي ضوء كلّ ذلك تظلُّ الجامعة الأردنية منارةً للعلم، وصرحًا أكاديميًا يقود التغيير لا يكتفي برد الفعل، بل يصنع الفعل ذاته، فهي اليوم تجني ثمار استثمارها في الإنسان والمستقبل، وتُرسّخ مكانتها حاضنة للتميّز، ومحركا فاعلا في تطوير التعليم العالي على المستويين المحلي والعربي. إنها ليست مجرد جامعة، وإنما هي مشروع وطني ينبض بالحياة والعطاء، ويسير بخطى واثقة نحو العالمية بثبات وإرادة لا تلين.
mohamadq2002@yahoo.com