facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




تركيا في قبضة البلديات: محاربة فساد أم هندسة سياسية ؟


د. نعيم الملكاوي
09-07-2025 10:17 AM

تتحرّك تركيا اليوم فوق رمالٍ متحرّكةٍ من المواجهات السياسية ، حيث تتقاطع البلديات الكبرى مع بوصلة السلطة المركزية ، في مشهدٍ يكاد يلخّص معركة إعادة تشكيل الداخل التركي على أعتاب استحقاقات انتخابية مصيرية .

من إسطنبول إلى إزمير وأضنة ودياربكر( ذات الأغلبية الكردية ) ، يتكرّر العنوان ذاته : اعتقالات جماعية ، عزلٌ لرؤساء بلديات منتخبين ، وتعيين أوصياء حكوميين ، تحت شعار "مكافحة الفساد" و"تجفيف منابع الإرهاب" .

لكن خلف هذا الشعار ، يرى خصوم الرئيس أردوغان أن ما يحدث ليس سوى تصفية حسابات سياسية ، وحملة تطهير تهدف إلى تحجيم نفوذ المعارضة البلدية وإزاحة خصوم محتملين ، قبل أن تُطرق أبواب الرئاسة في أي استحقاق مبكر أو لاحق .

إسطنبول … المعركة تبدأ من هنا !!!

كانت إسطنبول كالعادة ، مركز العاصفة والحصن التاريخي . ففي مارس 2025 ، أُوقف أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية المدينة الكبرى وأبرز وجوه المعارضة ، في خطوة هزّت الداخل التركي وأشعلت الشارع . إمام أوغلو الذي يراه كثيرون " الرئيس البديل " ، اتُّهم بالفساد وسوء استغلال المنصب ، وتورّط بتمويل تنظيمات إرهابية .

تقول الحكومة إن التهم مثبتة بالأدلة ، فيما تصف المعارضة الملف بأنه "مفبرك" ، هدفه إزاحة أخطر منافس محتمل لأردوغان قبل أن تتحوّل بلديات إسطنبول إلى رافعة انتخابية معارضة .

الضربة في إسطنبول لم تقف عند إمام أوغلو وحده ، بل تبعتها موجة توقيفات طالت عشرات المدراء والمسؤولين التنفيذيين في الدوائر البلدية ، وتم تعليق مهام رؤساء أحياء كبرى مثل شيشلي وبيليك دوزو .

إزمير وأضنة… رقعة الاشتباك تتسع !!!

بعد إسطنبول ، جاء الدور على معقل آخر للمعارضة : إزمير ، في يوليو 2025 ، داهمت الشرطة مقار البلدية واعتقلت أكثر من 150 مسؤولاً وموظفاً ، بدعاوى التلاعب في المناقصات والارتباط بتمويل الإرهاب . فالمشهد يتكرّر في أضنة ودياربكر حيث تم توقيف رؤساء بلديات أحياء رئيسية وبعض المدن الأخرى على قائمة الاشتباك .

ويرى معارضون أن السلطة تستخدم التهم كذريعة لإفراغ البلديات من محتواها المنتخب ، عبر آلية «تعيين الأوصياء» التي أُقرّت بعد محاولة الانقلاب عام 2016 ، لتُصبح أداة جاهزة لتجاوز صناديق الاقتراع .

الرواية الرسمية : تطهير إداري لحماية الدولة

على الضفة المقابلة ، تتمسّك الحكومة برواية صارمة : "لا أحد فوق القانون" ، وأن القضاء يتحرّك باستقلالية لمحاربة شبكات الفساد التي تحوّلت بعض البلديات إلى حواضن لها ، إضافة إلى تجفيف أي صلات محتملة مع تنظيمات تُصنّف إرهابية كحزب العمال الكردستاني PKK .

تقول وزارة الداخلية إن استعادة نزاهة البلديات ستحفظ أموال الدولة وتحمي الاستقرار والامن الداخلي ، رافضةً الاتهامات بتسييس القضاء أو تحويله إلى سوط بيد الحزب الحاكم .

ردود الفعل الدولية : تساؤلات حول الديمقراطية ؟

لم يمرّ هذا المشهد دون أصداء خارجية . الاتحاد الأوروبي ، عبر المفوضية المعنية بالتوسّع ، لمّح إلى أن عزل رؤساء بلديات منتخبين يضرب جوهر الديمقراطية المحلية في تركيا ، ويقوّض التزامات أنقرة بمعايير كوبنهاغن والتي تتلخص بـ ( انها بطاقة العضوية الأوروبية المشروطة بثلاثة أركان : ديمقراطية حقيقية، اقتصاد سوق فعّال ، واحترام القانون الأوروبي ) والواجب على انقرة الالتزام بها ما دامت ترغب بالانضمام الى المنظومة الأوروبية .

الولايات المتحدة بدورها دعت إلى احترام استقلال القضاء ، بينما وصفت هيومن رايتس ووتش الخطوة بأنها "تطهير سياسي مقنّع" لا علاقة له فعلياً بمكافحة الإرهاب .

بين الرابح والخاسر : المواطن والاقتصاد يدفع الثمن ...

ما يجري على مستوى البلديات لا ينفصل عن نبض الاقتصاد . الليرة التركية تراجعت فور تصاعد التوقيفات ، إذ شهدت خلال أسبوع اعتقال إمام أوغلو وحده انخفاضاً بأكثر من 2% أمام الدولار ، وسط تحذيرات من مؤسسات تصنيف ائتماني بأن استمرار "الهندسة السياسية" عبر عزل خصوم منتخبين سيزيد من كلفة الاقتراض على البلديات ، ويضعف ثقة المستثمرين وهذا يحصد نتائجه المواطن التركي بارتفاع الأسعار بشكل مستمر .

يقول الخبير إرتان دميريل لوكالة بلومبيرغ: "عندما يصبح خصمك البلدي عرضة للاعتقال بتهم قابلة للتوظيف السياسي ، فإن رسالتك إلى المستثمرين الدوليين تقول ، أنك لا تستطيع ضمان استقرار أي هيكل إداري لديك " .

ما وراء الستار : معركة مبكرة على الرئاسة ...

في جوهر الصورة ، تدور معركة خفية لكنها مكشوفة . فمنذ أن تحوّلت إسطنبول إلى شوكة في خاصرة السلطة عام 2019 ، باتت معركة البلديات عنواناً مبكراً لأي سباق رئاسي قادم .

شخصيات مثل إمام أوغلو لا تشكل تهديداً محلياً فقط ، بل تهديداً استراتيجياً لتركيبة النظام السياسي نفسه . من هنا يرى مراقبون أن اتهامات ( الارتباط بـPKK ) ليست إلا أداة لفك التحالفات الهشّة بين حزب الشعب الجمهوري CHP والقوى الكردية ، وهي التحالفات التي منحت المعارضة مفاتيح كبرى المدن التركية .

تبدو تركيا اليوم وكأنها تجرّب نمطًا من " إفراغ الصناديق عبر القضاء " ، وهو ما يهدّد فكرة الديمقراطية المحلية التي تعزّزت منذ التسعينيات . تقول المعارضة : ( قد نفوز في الصناديق، لكننا نخسر البلديات في المكاتب القضائية ) .

وفي المقابل ، تصرّ الحكومة على أن التطهير ضرورة وطنية لا بدّ منها لضمان وحدة الدولة . أما المواطن التركي ، فهو العالق بين مطرقة تضييق الحريات وسندان الأزمات الاقتصادية .

ويبقى السؤال مفتوحاً : هل ينجح حزب العدالة والتنمية في إخماد خصومه عبر البلديات ، أم يخلق جبهة أوسع من الاستياء تعيد قلب الطاولة عليه في أول اختبار انتخابي مقبل ؟

* كاتب وباحث سياسي





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :