facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




ذكريات الصيف في الفجيج .. بين القمح والشيح ورائحة القهوة


بركات الجازي
10-07-2025 01:09 AM

في عزّ الصيف، حين تبلغ الشمس ذروتها وتلفح الأرض بحرّها، تهبّ الذاكرة من مرافئ الطفولة، حاملةً عبق "الفجيج"... تلك البقعة التي ما زالت تنبض في القلب، رغم تغيّر الزمان والمكان. هناك، لم تكن الحياة مجرد أيام تتوالى، بل كانت فصولًا من الدفء، تُروى بين السنابل وأبخرة القهوة ورائحة الشيح.

*الفجيج في الذاكرة*

كانت الأرض هناك، تنطق بالحياة. القمح يُحصَد بأيادٍ متعبة، لكنّها تفيض رضاً وامتنانًا. لم يكن موسم الحصاد مجرد عمل، بل طقسٌ ننتظره كما ينتظر العاشق موعده. نركض في الحقول، نلعب بين السنابل، نضحك ببراءة ونملأ جيوبنا بحبات القمح وكأننا نجمع الذهب.
وفي المساء، كانت جدتي تجمعنا حولها، تغلي القهوة على الجمر ببطء ووقار، وتضع حبات الهيل بحبّ الأم التي تعطر الذاكرة لا الفنجان فقط. كنا نصغي لها، للقصص، ولصوت الاغنام ونباح الكلاب، ولسكون الليل الذي يتنفس عطراً من بيوت الشعر وأحلام البسطاء.

*بيوت الشعر... بيوت العز*

وكانت هناك بيوت الشعر، منصوبة بفخرٍ وسط السهول، بيوت العز والكرم، مشرعة دومًا للضيفان. لا يُسأل الضيف عن اسمه قبل أن يُقدّم له القهوة، ولا يُترك دون أن يسمع كلمات الترحيب الصادقة. في تلك البيوت، تعلمنا معنى الكرم، وأدركنا أن البيت المشرّع الذي يُفتح بصدق، أوسع من القصور المغلقة.

*رائحة الشيح... وطن*

في تخوم الفجيج، حيث الأرض تحتضن الصخر والعشب، ينبت الشيح بريًّا، كما أهل المكان؛ صلبًا، طيّبًا، لا يُروّض. رائحته الحادة التي كانت تملأ المساء كلما هبّت نسمة، لم تكن مجرد نبات صحراوي، بل ذاكرة خضراء لا تذبل، تنبت كلما أوشكنا على النسيان.

*حنين لا يشيخ*

نشتاق لصيف الفجيج... لا لأن الصيف كان أكثر لطفًا، بل لأننا كنّا نحن، كما يجب أن نكون: أنقياء، قريبين من الأرض، من الناس، من السماء. نشتاق للضحكات، للخبز على الصاج، لصوت النسوة وهنّ يُغربلن القمح، ولتلك البيادر التي كانت تشهد على تعبنا وفرحنا وأغاني مواسمنا.

*في القلب باقٍ*

كبرنا، وغادرنا الفجيج، لكنّه لم يغادرنا. تغيّرت الملامح ، وتبدّلت الوجوه، وشاخت الأرواح تحت ضجيج الحياة، لكنّ رائحة القهوة والشيح، وصوت السنابل إذا داعبها النسيم، يعيدنا دومًا إلى هناك... إلى حيث كنّا نعيش ببساطة، نحب بصمت، ونحلم بلا حدود.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :