مأزق النزاهة البحثية في الجامعات الأردنية: بين التصنيف والتزييف
صالح الشرّاب العبادي
10-07-2025 11:55 AM
ما الذي يحدث خلف الأبواب المغلقة في الجامعات الأردنية؟ وما الذي يدفع مؤسسات يُفترض أنها قلاع للعلم إلى الوقوع في فخ التزييف العلمي والانتحال والادّعاء؟ تصريحات وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور عزمي محافظة الأخيرة، لم تكن مجرد توضيح تقني أو تحذير إداري؛ بل كانت بمثابة صفّارة إنذار وطنية تُدق في صمت قاتل.
مؤشر النزاهة البحثية الدولي، الذي صنّف جميع الجامعات الأردنية خارج نطاق “الأمان الأكاديمي”، لم يُسقط فقط قناع التجميل الإحصائي الذي تغلف به بعض المؤسسات تصنيفاتها الدولية، بل فضح أيضًا بنية مريضة تتغذى على منطق المظاهر على حساب الجوهر، والكم على حساب النوع، والإنجاز الكاذب على حساب المعرفة الحقيقية.
الوزير كشف عن ممارسات لم تعد مجرد استثناءات فردية بل تحوّلت إلى سياسات مؤسسية ضمنية: سرقة أبحاث، تزييف بيانات، استخدام الذكاء الاصطناعي لإنتاج أوراق بحثية شكلية، الدفع مقابل المشاركة في مؤتمرات علمية وهمية، وتجنيد أسماء أجنبية لأغراض دعائية ، والأخطر من ذلك أن هذه الظواهر، التي بدأت في بعض الجامعات الخاصة، بدأت تجد طريقها إلى جامعات رسمية يفترض بها أن تكون ضمير الدولة العلمي.
عندما تُصبح النزاهة رفاهية
المفارقة المؤلمة أن هذه الجامعات، بدلاً من أن تقود المجتمع نحو الإصلاح الأخلاقي والمعرفي، باتت تكرّس ثقافة الاحتيال العلمي تحت ضغط التصنيفات الدولية، وكأنها في سباق تجميلي يتجاهل الجودة والعمق ، نحن أمام مأزق يتجاوز الأكاديميا، ليهدد منظومة القيم الوطنية ذاتها: كيف نُقنع طالبًا أو باحثًا بأخلاقيات العلم، بينما مؤسسته تزيف نسب النشر وتتحايل على قواعد التصنيف؟
النقد ليس تشهيرًا… بل إنقاذ
ما يحدث لا يحتاج إلى “تجميل إصلاحي”، بل إلى جرأة في الاعتراف وفعل في التصحيح ، مؤسسات التعليم العالي مطالبة اليوم بأن تعيد تعريف غايتها الوجودية: هل هي مجرد منتج تجاري يُباع بتصنيف وشهادة؟ أم فضاء لإنتاج المعرفة والنهضة؟ إن استمرار الصمت الرسمي أو الاكتفاء بالتصريحات دون قرارات حازمة سيجعل من الأردن - لا قدر الله - ساحة هامشية في سوق الشهادات العالمية، بعد أن كانت جامعاته في الستينيات والسبعينيات تُنافس كبرى المؤسسات الإقليمية.
الحلول: من الترقيع إلى الجراحة
1. إصلاح منظومة النشر العلمي: بإعادة النظر في ربط الترقية الأكاديمية بكم النشر فقط، والتركيز على جودة البحث، ونزاهته، وأثره المجتمعي.
2. هيئة رقابة مستقلة للنزاهة البحثية: تُعنى بمراجعة أخلاقيات النشر، وتحقق من الحالات المشبوهة، وتُصدر تقارير سنوية علنية.
3. تحجيم الاعتماد على التصنيفات الدولية كمعيار أساسي: واعتماد مقاييس وطنية محكمة تُراعي خصوصية الواقع الأردني دون السقوط في فخ التزييف.
4. تطوير ثقافة أكاديمية جديدة: تبدأ من الطالب وتنتهي بإدارة الجامعة، تكرّس أن البحث العلمي ليس سلعة، بل مسؤولية معرفية وأخلاقية.
5. المحاسبة بل العقاب التعليمي لكل من يضطلع بهذه الحقائق المؤلمة وذلك بتشكيل لجنة قضائية علمية مستقلة من الطالب الجامعي الى الدكتور الجامعي وكذلك محاسبة رؤساء الجامعات وكل من له صلة بإدارة الجامعة إذا ما تبين وجود تزيف او سرقة ابحاث او دفع اموال من اجل جودة التصنيف ليصل العقاب إلى حد اغلاق الجامعة حتى يتم تصحيح مسارها ..
الإنقاذ لا يزال ممكنًا
ما زال بالإمكان الإنقاذ، شريطة ألا نُخدّر أنفسنا بالأمل الكاذب ، فالنزاهة العلمية ليست ترفًا أخلاقيًا، بل هي الركيزة التي تقوم عليها شرعية التعليم العالي نفسه. كل خلل هنا سيُولد عشرات الآثار السلبية: من تدني الثقة بالشهادات الأردنية، إلى عزوف الباحثين الدوليين، وصولاً إلى كارثة التنمية المعرفية الداخلية
* عميد ركن متقاعد