حين ينتقد الوزير… فمن يصلح التعليم؟
د. محمد حيدر محيلان
10-07-2025 11:57 AM
كلنا نتفق أن الصراحة مطلوبة، خاصة حين تصدر من مسؤول بحجم وزير التعليم العالي والبحث العلمي، لكنّ للصراحة شروطها، وللتوقيت مقتضياته، وللموقع الوزاري واجبات ومسؤوليات لا تكتفي بالإفصاح بل تقتضي الإصلاح.
ففي الوقت الذي ينتظر فيه الأردنيون انتهاء امتحان الثانوية العامة، وظهور النتائج بأمل ان يحظى ابناءهم بمقاعد في الجامعات الاردنية التي يعتزون بها، كما معظم ابناء العالم العربي وبالذات دول الخليج العربي فوجئوا بتصريح أثار الجدل والخوف أكثر مما قدّم من الحلول والبشرى، حين اظهر معالي وزير التعليم العالي المحافظة ان الواقع التعليمي في الاردن ممثلا بالجامعات جميعها أشبه ما يكون ”بالفساد في البضاعة المعروضة”، وتصريح معاليه فيما يتعلق بالجامعات والتصنيف وان كان لا يخلو من الصدق فهو تعميمٌ لا يخلو من التسرع، وربما من القسوة، بحق مؤسسات وطنية ما تزال تحتضن آلافًا من شباب هذا الوطن، وتسهم رغم كل التحديات في صون الهوية الأكاديمية الأردنية، وتنتظر قبول والتحاق طلبة عرب وغيرهم من الخارج.
ربما نتفق مع بعض ما جاء به الوزير ، بل ونطالب دومًا، بكشف مواقع الخلل ومواطن الضعف، لكن الأجدر بالقيادة التعليمية واصحاب القرار أن تمضي نحو المعالجة لا أن تكتفي بالإعلان، وأن ترسم خارطة للإصلاح لا أن تعلّق راية التشخيص ثم تمضي.
ربما نقبل من نائب في البرلمان او كاتب او اعلامي ان يشعرنا بخطورة الموقف ويعلق الجرس ويفضح المستور، أملاً في لفت انتباه وزير التعليم ليقوم بدوره، اما ان يقوم الوزير نفسه بفضح الطابق دون خطة تطويرية اصلاحية جاهزة للتنفيذ فغير مقبول ولا متوقع بل مستهجن .
نقبل ان يكون تصريحا جاء تمهيدًا لاعلان عن خطة إصلاح فوري وجذري ينفذ الأيام القادمة القريبة ؟ ولا نقبل ان يكون تصريح عابر لا يعكس خطة مدروسة؟
واذا كان الواقع من الخطورة لكي يستدعي هذه النبرة الصريحة، فهل يملك معالي الوزير القدرة ذاتها في طرح الحلول؟ وهل سنرى نتائج عملية تتناسب مع جسامة التوصيف وضرره؟
ثم يأتي السؤال الأخطر: هل من الحكمة إطلاق هذا النوع من التصريحات في ذروة موسم القبول الجامعي، حين تتوجه أنظار آلاف الطلبة العرب والأجانب إلى الجامعات الأردنية، باحثين عن بيئة تعليمية ذات جودة عالية وآمنة ؟ أليس من الأجدى أن نخاطب الداخل بلغة التقييم، والخارج بلغة الترويج المتوازن، حفاظًا على سمعة التعليم الاردنية التي رغم ما قيل عنها ما تزال تبهر المحيط العربي رغم الصعوبات والامكانيات المادية؟
المواطن الأردني، والأكاديمي، والطالب، والنائب كلهم لا ينكرون وجود اختلالات، ولا ينكرون الحاجة الماسة لإصلاحات جذرية، لكنهم يرفضون أن يبقى الحديث في إطار التوصيف والاعلان والشكوى، دون الانتقال إلى ميدان الفعل والتنفيذ واتخاذ القرارات الحازمة.
لماذا يا معالي الوزير صرحت بذلك واعلنت ، وانت بحكم موقعك، ليس مراقبًا خارجيًا، بل انت ربان السفينة، والمسؤول الأول عن توجيه دفتها نحو شاطئ الأمان. انت مسؤول عن تصويب الخلل وتعديل المسار والضرب بيد من حديد واتخاذ اجراءات صارمة بحق الجامعات والمدرسين الدكاترة اذا تبين لديهم الخلل والتزوير والتلاعب، وليس الشكوى والتذمر والتصريح بوجود اختلالات في التعليم. فمن تبلغ يا معالي الوزير ؟ وممن تنتظر الإصلاح والتعديل والتصويب!؟
إننا ننتظر من معاليك – احترامًا لما تحمل من مسؤولية – أن تضع أمامنا خريطة طريق إصلاحية واضحة، معلنة، مزوّدة بمراحل زمنية ومؤشرات أداء قابلة للقياس، حتى لا يبقى التصريح صرخة في وادٍ، أو سحابة صيف عابرة.
أما إذا كان اليأس قد تمكّن من موقع القرار، واستُنفدت أدوات التغيير، فربما يكون الاعتذار عن الاستمرار وتقديم استقالة اعلانا عن استنفاد جهودكم وطاقتكم وعطائكم حيث قدمتم ما لديكم من خبرة وتجربة، وهذا ليس عيبا او تقصيرا بل تُحْتَرَمون عليه من قبل الجميع، وهو ابلغ وأصدق من إطلاق أحكام عامة تُضعف من هيبة التعليم الوطني، وتثير قلق الطلبة وأهاليهم، وتُغري الخارج بالنظر إلى جامعاتنا بمنظار غير منصف وتحول نظرهم عنها.
وعليه، فلا أحد فوق النقد، ولا قداسة لمؤسسة مهما عظمت، ولا مسؤول مهما علا منصبه هو معصوم عن الخطأ والانتقاد والمراجعة ، لكن المسؤولية تقتضي من صاحب السلطة والقرار ان يملك أدوات الترميم والبناء والاصلاح ، لا الهدم. ارجو ان يعدل معالي الوزير التصريح من خلال العودة لمسار إصلاحي حقيقي، وليس نهاية مشوار اصلاحي لاننا ما زلنا نامل ان يتقدم بحلول للمشكلة التي عرضها واثارت عاصفة هوجاء بين الاهالي والمؤسسات التعليمية وافقدت الثقة بمنظومة التعليم على الصعيدين الداخلي والخارجي.والله والوطن ومصلحة الامة من وراء القصد.