السلام معهم كذب، يا أبو سامي
م. وائل سامي السماعين
10-07-2025 07:09 PM
قال لي صديق بعد أن قرأ مقالي من الهولوكاست الى غزة : "السلام معهم كذب يا أبو سامي!"، وقد يكون محقًا إلى حد كبير؛ فاليوم، لم تعد 99% من الشعوب العربية تؤمن بأن إسرائيل تسعى حقًا إلى السلام، خاصة بعد أن مدّت الدول العربية يدها، ووقّع بعضها اتفاقيات رسمية معها. لكن ما الذي تغيّر؟ لا شيء سوى المزيد من الدم، والمزيد من الاستيطان، والمزيد من العنف.
هذا الرأي لم يعد استثناءً، بل بات يعكس وجدانًا جمعيًا متناميًا في الشارع العربي، يُغذّيه كل مشهد قصف في غزة، أو اقتحام في جنين، أو توسع استيطاني في الضفة. كثيرون يرون أن "السلام" الذي تريده إسرائيل لا يعني شراكة عادلة، بل استسلامًا كاملاً، لا اتفاقًا بين ندّين متكافئين.
نعم، الشعوب العربية – ومعها حكوماتها – تريد السلام، وتبحث عنه، ولكن العقبة الكبرى تكمن في تعنت إسرائيل، وبشكل خاص سياسات حكوماتها اليمينية المتطرفة التي ترفض الاعتراف بالحقوق المشروعة للفلسطينيين. كما لا يمكن تجاهل دور إيران وحلفائها الذين ساهموا بدورهم في صناعة هذا المناخ المشحون، وأسهموا في تغذية دوامة العنف التي نشهدها اليوم.
السؤال الجوهري لم يعد: هل تريد إسرائيل السلام؟
بل أصبح: أي نوع من السلام نريده نحن؟
هل هو سلام يعيد الأرض ويعيد الحقوق؟ أم هو سلام هش قائم على مصالح اقتصادية متبادلة، بينما تبقى القضية الفلسطينية معلقة إلى أجل غير معلوم؟
السلام لا يُبنى على النوايا الحسنة وحدها، بل على وقائع ملموسة. وعندما تُدكّ غزة بالصواريخ، ويُهجّر الفلسطيني من أرضه، وتُهدر كرامته، فمن الطبيعي أن يفقد الناس إيمانهم بأي سلام يُطرح.
استمرار العنف يخدم كل الأطراف المتطرفة – سواء في الجانب العربي أو الفلسطيني أو الإسرائيلي – فالعنف بات وقودًا أيديولوجيًا تتغذى عليه الجماعات اليمينية المتشددة، ليس فقط في الشرق الأوسط، بل في العالم كله.
لقد آن الأوان أن تُبادر الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية والمملكة العربية السعودية والاردن ومصر ،إلى رعاية مبادرة سلام دولية شاملة، تستند إلى قرارات الشرعية الدولية، وتُمكّن السلطة الفلسطينية – الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني – من أداء دورها في ترسيخ السلام العادل والمستدام.
لا يجوز أن نترك زمام المبادرة في يد المتطرفين من أي جهة كانت، فهم لا يعرفون إلا لغة التخويف والقلق. في المقابل، على المعتدلين من كلا الطرفين – الفلسطيني والإسرائيلي – أن يتقدموا الصفوف، فالمخاوف مشتركة، والقلق مشروع، لكن الحل لا يكون بالهروب من السلام، بل بصناعته بشجاعة ومسؤولية.