الوزير يصرح والذكاء الاصطناعي يكتب وجامعاتنا تمنح الامتياز
آيات العزام
10-07-2025 07:31 PM
بعد هذا الجدل الذي اثارته تصريحات وزير التعليم العالي والبحث العلمي، الدكتور عزمي محافظة حول تدني تصنيف بعض الجامعات الأردنية وضرورة محاربة التزوير العلمي، يبرز هنا السؤال الأكثر عمقاً : هل تقتصر مشكلتنا فعلاً على ترتيب الجامعات في المؤشرات العالمية؟ أم أننا أمام أزمة أعمق تمسّ جوهر العملية الأكاديمية نفسها، وبخاصة في برامج الدراسات العليا؟
من واقع تجربتي الشخصية في دراسة الماجستير، بدا لي بوضوح أن ما يجري في بعض الجامعات الأردنية يتجاوز مجرد ضعف في التصنيف أو تراجع في السمعة؛ لابد من الالتفات الى آلية تعيين الكوادر التدريسية في جامعاتنا، ومدى كفائتهم وقدراتهم الحقيقية في البحث العلمي ، إذ أصبح من الشائع أن يُمنح عدد كبير من الطلبة درجات الامتياز دون جهد علمي حقيقي، ودون تقديم رسائل وأبحاث تستحق فعلاً هذا التقدير، لأنه الكفاءات الحقيقية معدودة للأشراف عليها.
يا معالي الوزير لقد أصبح من المعروف للجميع ، وأظن أنّ وزارتكم على علم بذلك أيضًا ، أنّ عددًا غير قليل من رسائل الماجستير يُنجزها الطلبة باستخدام برامج الذكاء الاصطناعي بشكل شبه كامل. الأدهى أن بعض أعضاء هيئة التدريس يكتشفون ذلك أحيانًا خلال جلسات المناقشة، لكن تتمّ مجاملة الطالب أو التغاضي عن الأمر، فيتحوّل الخلل من خطأ طالب إلى خلل في بنية النظام كله، وهكذا، يصبح الطالب الجاد ضحية نظام لا يُكافئ الجهد بقدر ما يُجامل العلاقات والاعتبارات الشخصية.
والغريب بالامر أن وزارة التعليم العالي تخرج وهي متفاجئة بهذه التصريحات ،دون ان تلتفت بجدية لحقيقة أن الغالبية الساحقة من طلاب الماجستير يتخرّجون بتقدير “امتياز”. فهل يعقل أن يكون هذا الكم الكبير من الامتيازات نتيجة تفوق علمي حقيقي، أم أنه نتيجة مجاملات وتساهل وتغاضٍ عن التجاوزات؟
الأمر لم يتوقف هنا؛ إذ باتت المناقشات العلمية، التي يُفترض أن تكون معيارًا للصرامة والشفافية، تخضع في بعض الأحيان لأهواء وعلاقات الكادر التدريسي فيما بينهم، أو علاقتهم مع الطالب نفسه. فأصبحت أقرب إلى إجراء شكلي، غالبًا ما تنتهي بتعديلات طفيفة إذا كانت العلاقة ودّية، دون النظر الجاد في مستوى الرسالة أو أصالتها العلمية.
معالي الوزير، لا يمكن لجامعاتنا أن تستعيد مكانتها ولا لسمعة البحث العلمي أن تُرمَّم ما لم تُعالج هذه الظواهر بجدية وشفافية. فمحاربة التزوير لا تعني فقط كشف السرقة الأدبية أو منع الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي، او تصنيفات عالمية ومؤشرات نزاهة البحث، بل تعني أيضًا ضمان نزاهة منح الدرجات، ووضع آليات صارمة لتقييم الرسائل، ومراجعة أسلوب تشكيل لجان المناقشة لتكون بعيدة عن أي تأثير غير أكاديمي.
ليس الهدف أن نحصل على ترتيب أفضل في مؤشر عالمي أو أن نغيّر لون الجامعة في جدول النزاهة من الأحمر إلى الأخضر؛ بل الهدف أن يكون كل طالب أردني مطمئنًا أن الدرجة التي سيحصل عليها ثمرة جهد حقيقي، وأن زميله الذي نال الامتياز استحقه فعلًا ببحث علمي أصيل.
معالي الوزير، هذه ليست مجرد حالات فردية، بل ظاهرة واسعة تنعكس سلبًا على صورة التعليم العالي الأردني ومصداقية شهاداته. نرجو أن تجد هذه الحقائق طريقها إلى أجندة إصلاحكم، وأن تكون هناك إرادة جادة لإعادة الاعتبار للنزاهة الأكاديمية، قبل أن نفقد ما تبقى من مصداقية الشهادة الجامعية الأردنية أمام أنفسنا وأمام العالم، نأمل أن تتحول تصريحاتكم يا معالي الوزير من تحذير إعلامي إلى خطة إصلاح شاملة، تعيد الثقة بالدراسات العليا، وتحفظ حق كل طالب اجتهد وتعب، وتعيد للبحث العلمي قيمته ومكانته في جامعاتنا.