facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




حين تلتهم الأزمات الاقتصادية روح المجتمع


د. نعيم الملكاوي
11-07-2025 01:15 AM

في الأردن ، لا تعني الأزمة الاقتصادية مجرّد هوامش مقلقة في نشرات الأخبار أو رسومات بيانية صمّاء . هي في حقيقتها سلسلة أصفادٍ تكبّل المواطن من الراتب حتى القيم الأخلاقية والاجتماعية ، ومن جيب رب الأسرة إلى منسوب الثقة والانتماء الذي يتآكل بين الناس ومؤسساتهم .

فحين تقول الأرقام إن المديونية العامة تجاوزت 44.8 مليار دينار ( قرابة 117 % من الناتج المحلي)، فهذا ليس رقماً معزولاً عن البيوت . إنه يعني بالضرورة أن الأسرة الأردنية تدفع ثمن سوء التخطيط وضعف الحماية من تغوّل الأسعار — من فاتورة الكهرباء حتى ربطة الخبز — بينما يظل الراتب ثابتاً لا يواكب زحف الأسعار الذي لا يرحم ولا ينظر اليه التضخم بروح الشفقة مع غياب المشاريع الإنتاجية المولدة لفرص عمل افضل .

راتب يتآكل… وأسعار لا تخجل

منذ سنوات ، والمواطن يعيش مشهداً يتكرّر بلا نهاية : راتب محدود ، قروض تتضخّم، سلع أساسية تصعد على ظهر التضخم ، بينما يتوارى الأمل خلف شاشات التصريحات الحكومية المكررة .

التضخم الرسمي بلغ حدود 4 % العام الماضي 2024 بحسب بيانات دائرة الإحصاءات العامة ، لكنه أعلى من ذلك بكثير في تفاصيل الحياة اليومية . من يتسوّق في السوق أو يدفع فاتورة الكهرباء أو يقف عند مضخة الوقود ، يدرك أن الأرقام الرسمية مجرّد غلاف هشّ لحقيقةٍ مُرّة لا تعكس حقيقة المعاناة .

* في اخر تقرير لدائرة الإحصاءات العامة نقرأ :

" أصدرت دائرة الإحصاءات العامة تقريرها الشهري حول الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك (التضخم) والذي رصد ارتفاعاً بنسبة 1.97 % للأشهر الخمسة الأولى من عام 2025 مقارنةً مع نفس الفترة من عام 2024 . أما على المستوى الشهري فقد ارتفع الرقم القياسي بنسبة 1.98 % لشهر أيار من عام 2025 مقارنة مع الشهر المقابل من العام الماضي " انتهى الاقتباس .

شركات تتغوّل… وحكومات تتفرّج

في ظلّ هذا كلّه ، تقف شركات كبيرة — المحروقات ، الكهرباء ، الاتصالات ، المياه والبنوك — متربّعةً على فاتورة كل بيت ، ترفع أسعارها ونسب فوائدها وقتما تشاء ، ولا تردعها حكومةٌ تلو أخرى عن التمدّد على جيب المواطن .

أما التخطيط ؟ فيبدو أحياناً وكأنه أقرب إلى « مختبر » مُكلف ادواته جيب وقوت المواطن : قرارات تُفرَض ثم تُلغى حين تتبدّل الحكومات . ترفع حكومة ضريبة استيراد السيارات لتثقل ظهر السوق ، ثم تأتي اختها لتتراجع وكأن حياة الناس حقل تجارب .

أين الثقة من الرؤية الاقتصادية الشاملة ؟

البنوك… شريكٌ خفيّ في استنزاف الجيوب

لكن الأخطر أن المواطن امسى في قبضة بنوك ترى في القروض سوقاً مضموناً ، لا شريكاً في التنمية . فكلما رفع الفيدرالي الأمريكي نسبة الفائدة ، يسارع البنك المركزي الأردني إلى تقليدها بحجّة حماية الدينار، فتتضاعف أقساط القروض القائمة على المواطنين الذين لم يُوقّعوا أصلاً على قروض «عائمة» لتُلحق بها فوائد جديدة !

ثم إذا هبطت أسعار الفائدة عالميا ، تتلكأ بعض البنوك في خفض نسبها على القروض المستحقّة ، وتُبقي المواطن عالقاً في فخّ الديون طويلة الأمد ، بينما تتزايد أرباحها عاماً بعد عام . وتشير بعض التقديرات إلى أنّ أرباح بعض البنوك تجاوزت مليار دينار في سنواتٍ قليلة ، في بلد يعيش اكثر نصف شبابه إمّا عاطلًا عن العمل أو مثقلاً بمديونيةٍ شخصيةٍ خانقة .

من الأرقام إلى الأخلاق … كيف تنهار المجتمعات من الداخل ؟

هذه الدوامة لا تحبس الأرقام فقط ، بل تخنق القيم كذلك . فالثقة ، تلك «العملة الأخلاقية» التي تحفظ المجتمعات من التصدّع ، تنزف مع كل فاتورةٍ متضخّمة ، وكل قسطٍ يلتهم الراتب . وما أن تضعف الثقة ، حتى يصبح التحايل على القوانين مقبولاً ، ويتراجع الشعور العام بالمسؤولية الوطنية .

إنه الانهيار الذي لا يُقاس بالدولار ولا بالدينار ، بل يُقاس في أخلاق الناس وأعصابهم المثقلة ، وفي الشباب الذين فقدوا إيمانهم بأن النجاح يأتي من الكدّ والجدّ ، لا من الحظّ أو العلاقات المبنية على المحسوبية .

إعادة بناء الثقة… هل من سبيل ؟

الأرقام وحدها لن تنقذنا . الإصلاح المالي لا بدّ أن يرافقه إصلاحٌ أخلاقي وقانوني يحمي المواطن من تغوّل الشركات والبنوك على جيوبه ، ويُعيد تخطيط القرارات الاقتصادية بعيداً عن مراهقة العبث والتجريب .

الثقة لا تُبنى بخطاباتٍ ووعودٍ موسمية واستعراضات كاميراتية ، بل بخططٍ واضحةٍ وثابتة لا تترك الناس رهناً للتقلّبات ولا أسرى لحيتان السوق . إنّها معادلة بسيطة : كل أزمة اقتصادية إن لم تُدار بضميرٍ وعدالة ، تتحوّل إلى أزمةٍ أخلاقية تهزّ اركان مجتمعاً بأكمله .

الثقة هي العملة الوحيدة التي إذا تراجعت… أفلس الجميع ...

وحين تهتزّ القيم … لن ينفعنا صندوق النقد ولا أسعار الفائدة .





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :