facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




لا نُصلح التعليم العالي بتشويه سمعته


أ.د عيسى بطارسة
11-07-2025 02:28 PM

في الآونة الأخيرة، أُثير جدل واسع في الأوساط الأكاديمية الأردنية عقب تصريحات رسمية من قبل وزير التعليم العالي والبحث العلمي تحدّث فيها عن “تدهور النزاهة البحثية” في جميع الجامعات الأردنية، استنادًا إلى ما سُمِّي بـ”مؤشر النزاهة البحثية” الذي لا يتمتع بأي مرجعية علمية أو اعتراف دولي موثوق. وتأتي هذه التصريحات في توقيت حرج، حيث تستعد آلاف العائلات الأردنية لاختيار وجهات تعليمية لأبنائها، بينما تسعى الجامعات الأردنية جاهدًة لتعزيز حضورها الإقليمي والدولي، وجذب الطلبة من داخل الأردن وخارجه.

ما يدعو للقلق ليس فقط مضمون هذه التصريحات وتعميمها غير الموفق، بل أيضًا توقيتها، وأثرها المحتمل على صورة التعليم العالي الأردني، الذي ظلّ على مدار العقود مصدر فخر وطني، ومنصة انطلقت منها كفاءات مشهود لها في العالم العربي والدولي. خريجو الجامعات الأردنية اليوم يسهمون بفاعلية في مجالات البحث والتطوير، والهندسة، والطب، والتعليم، والقطاعين العام والخاص، وهم سفراؤنا الحقيقيون الذين يستحقون الدعم والتقدير، لا التعميمات المربكة التي تضع الجميع في دائرة الاتهام.

إن النقد البنّاء ضرورة لتطوير أي منظومة، لكنه يفقد أثره وقيمته حين يتحول إلى خطاب سلبي شامل، لا يميّز بين الحالات الفردية والممارسات المؤسسية العامة. ومن الطبيعي أن توجد تحديات وثغرات، وهذه تُواجَه بإجراءات علمية، ولجان مختصة، وتحديث للسياسات، لا من خلال إطلاق أحكام عامة قد تُفهم على أنها إساءة لجهود آلاف الباحثين وأعضاء هيئة التدريس الذين يعملون بصمت وإخلاص، ويؤمنون برسالة التعليم والبحث.

وهنا أود أن أشارك بتجربة شخصية من عملي رئيسًا لجامعة الأميرة سمية للتكنولوجيا لأربع سنوات، وهي مؤسسة أكاديمية مرموقة شهدت في تلك الفترة – ولا تزال – بيئة أكاديمية عالية الجودة، وجهودًا بحثية ملتزمة، وقيادة تستند إلى قيم النزاهة والشفافية. وأواصل اليوم خدمتي في مجلس أمناء الجامعة، حيث أتابع عن قرب جدّية العمل، والدور الريادي لسموّ الأميرة سمية بنت الحسن المعظمة، التي تتابع شخصيًا تفاصيل العمل الأكاديمي والبحثي، وتؤمن إيمانًا راسخًا بأن التعليم هو مشروع وطني وأخلاقي قبل أن يكون مؤسسيًا. سموّها تقود الجامعة برؤية قائمة على النزاهة والتميّز والمسؤولية، وهو ما يُترجم إلى سياسات واضحة، وآليات مساءلة دقيقة، وتقييم دوري يضمن الجودة في الأداء والمخرجات. هذه التجربة تجسّد كيف يمكن للقيادة الواعية أن تصنع فارقًا حقيقيًا في ترسيخ قيم التعليم العالي الأردني.

التحديات التي تواجه التعليم العالي في الأردن حقيقية، لكنها لا تُعالج عبر التشكيك العام، بل عبر الإقرار بالمنجز، والتعامل الواعي مع نقاط الضعف، وتشجيع من يعملون بجد لتطوير التعليم والبحث العلمي في ظروف صعبة. أما بالنسبة لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، التي أُثيرت في تصريحات الوزير، فهي اليوم جزء لا يتجزأ من منظومة البحث العلمي العالمية، والمهم هو تنظيم استخدامها، لا التشكيك فيها بالمطلق.

الجامعات الأردنية، رغم محدودية الموارد، تنافس بجدارة في ساحات علمية دولية. ويجب أن نقيّم أداءنا ضمن معايير واضحة ومعتمدة، مثل تصنيفات شنغهاي وTimes Higher Education، مع قراءة هذه المؤشرات بعين تطويرية، لا بعين اتهامية.

في الختام، نحن بحاجة إلى خطاب تربوي وطني يقف إلى جانب الجامعات، ويثمّن من يعملون فيها، ويعيد بناء الثقة بمنظومة التعليم العالي كركيزة أساسية للنهوض المجتمعي والاقتصادي. فالإصلاح الحقيقي لا يبدأ بتقويض السمعة، بل بتعزيز القيم، والاعتراف بالجهد، وتوجيه النقد بروح من المسؤولية والاحترام.



* استاذ الهندسة الكهربائية في جامعة سنترال فلوريدا
*مدير مركز فلوريدا لأبحاث الإلكترونيات القوية





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :