facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




سلامٌ بأطراف أصابعه .. حين تهمس الخرائط وتُصغي الندوب


فراس النعسان
12-07-2025 12:30 PM

حين يُقال إن سلاماً يلوح بين إسرائيل وسوريا ولبنان، فإن العبارة لا تعني ما تعنيه الكلمات، بل ما تخفيه من أسئلة كانت مؤجلة، وكلمات لم يُسعفها الظرف لتُقال. فالسلام في هذه المنطقة لا يأتي على صهوة حصان أبيض كما في الأساطير، بل يجيء متخفياً كضوءٍ باهتٍ يتسلل من نافذةٍ نصف مغلقة، لا لأن النوايا طيّبة، بل لأن التعب بلغ بالجميع حدّ الانحناء.

السلام، كما أراده الإنسان في أولى خطاه على الأرض، كان رغبة في البقاء، ثم صار لاحقاً هندسة سياسية ترسمها الدول وتُفاوض عليها المدن، وتُوقّعها العواصم وهي تخفي أصابعها المرتجفة تحت الطاولات. لكن دمشق التي علّقت ذات يوم صورة جولانها على جدار الذاكرة، وبيروت التي احترفت العيش في ظل الأسلاك الشائكة، لا تستطيعان أن تدخلا نُزُل التاريخ بجواز سفر مزوّر اسمه “تطبيع”.

ثمة من يعتقد أن هذا السلام المرتقب هو اختصارٌ لصراعٍ طويل أُنهِكت فيه الشعارات، وثمة من يراه بداية فصل جديد لا تُكتب فيه الجُمل بالعربية وحدها، بل بلغاتٍ أخرى لها ألف قاموس ولا ذاكرة. لكن ما لا يقال أكثر مما يُقال، وما يُراد من هذا السلام ليس فقط إغلاق الجبهات، بل فتح أبوابٍ أخرى تُشبه غرف التحقيق، تُسأل فيها الدول الصغيرة: ما حجمك؟ وما موقعك؟ وهل لك حقّ في الاعتراض؟!

الضرورة؟ نعم، ثمّة ضرورة، لكنها ليست بالمعنى الذي يُقنِع، بل بالمعنى الذي يُذعِن. فمنطقة استنزفتها الحروب، وجيران يُشيحون بأنظارهم عن بقايا العواصم، وصراع لم يعد يملأ شاشات الأخبار… كل ذلك يُغري بعقد السلام، لكن ليس بوصفه نهاية، بل بوصفه استراحة لمحاربين أرهقتهم مواعيد الجنائز.

هل سيكون على حساب سوريا ولبنان؟
وهل كان التاريخ، يوماً، مائدةً يجلس عليها الجميع؟ أم أن المقاعد كانت دائماً لمن يملك سيفاً أو حقلاً من الغاز أو توقيعاً يُملي لا يُستشار؟
إن أي سلام لا يعيد الجولان إلى دمشق ولا يضمن لبيروت أن تنام دون قلق من طائراتٍ تتجول فوق جبالها، هو سلام بلا ضمير، تماماً كما أن الجمال بلا حرية لا يغري العصافير بالطيران.

لقد قال شاعر فرنسي يوماً إن الغرفة التي امتلأت بالأجهزة لم يعد فيها مكان للإنسان… وهكذا يبدو هذا السلام، مزدحماً بالضمانات والوسطاء والمصالح، لكنه قد لا يجد متسعاً لكفّ أمّ تنتظر ابنها الذي لم يعد من الحرب.

ليس المطلوب من السلام أن يكون نبيلاً، بل أن يكون صادقاً. أن يسمح للمدن أن تشفى، لا أن تتجمّل كي تُعرض في سوق النفوذ. فالمعادلات تتغيّر، نعم، لكن هل تتغيّر الندوب؟ وهل تنسى البيوت حجارتها الأولى حين تُعاد طلاؤها؟

قد يكون هذا السلام ضرورة في منطق الدول، لكنه لا يزال سؤالاً في منطق الشعوب. سؤالٌ أشبه بتنهيدة معلّقة في حنجرة التاريخ، لا تُقال، لكنها تُسمع جيداً…





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :