الهويّة الرقمية للمواطن في مهبّ الذكاء الاصطناعي
ماهر أحمد لوكاشه
13-07-2025 09:21 AM
* هل آن الأوان لحمايتها في الأردن؟
في زمن يتسارع فيه التطور التكنولوجي بوتيرة مذهلة، بات من الممكن استنساخ ملامح الإنسان وصوته وتصرفاته رقمياً باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، إلى درجة يصعب فيها التمييز بين الحقيقي والمزوّر. هذا التحول، رغم ما يحمله من إمكانيات إيجابية، كشف في المقابل عن أخطار جسيمة تهدد خصوصية الأفراد وسلامتهم الرقمية.
واحدة من أكثر التقنيات إثارة للجدل اليوم هي تقنية “التزييف العميق” أو ما يُعرف بـ”الديب فيك”، والتي تتيح إنشاء مقاطع مزوّرة تحاكي بدقة صورة شخص ما أو صوته، دون علمه أو موافقته. هذه الظاهرة لم تعد مقتصرة على الترفيه أو الخدع البصرية، بل باتت تُستخدم في التزوير، والابتزاز، وانتحال الشخصية، والتضليل الإعلامي.
في مواجهة هذا الخطر، بدأت بعض الدول تتحرك نحو سنّ تشريعات تحمي الفرد من هذه الانتهاكات. الدنمارك، على سبيل المثال، أعلنت مؤخرًا عن مشروع قانون يُعدّ سابقة عالمية، يمنح المواطنين الحق القانوني في امتلاك “هويتهم الرقمية” — بما يشمل الوجه، والصوت، والمظهر. هذا المشروع، الذي من المتوقع مناقشته رسميًا في البرلمان الدنماركي قبل نهاية العام، يتيح لأي شخص مقاضاة من يستخدم نسخته الرقمية دون إذن، والمطالبة بإزالة المحتوى وتعويض الضرر.
ورغم أن القانون لم يُقر بشكل نهائي بعد، إلا أنه يمثل خطوة تشريعية شجاعة في الاتجاه الصحيح، ويشكّل مرجعًا مهمًا يُحتذى به لحماية الناس من تداعيات استخدام التكنولوجيا دون ضوابط أخلاقية أو قانونية.
ومن هنا، فإن الحاجة تبدو ملحّة لأن تبادر الجهات المختصة في الدولة الأردنية إلى دراسة مثل هذه التشريعات، بما يضمن مواكبة التحولات التقنية الجديدة، ويوفر حماية قانونية واضحة للمواطن الأردني من التلاعب الرقمي بهويته أو مظهره أو صوته.
إن حماية الهويّة الرقمية لم تعد ترفًا قانونيًا أو مطلبًا نخبوياً، بل أصبحت حقًا إنسانيًا بامتياز، في عصر بات فيه الوجه والصوت والاسم أكثر عرضة للاستغلال من أي وقت مضى.
فلتكن هذه الخطوة التالية في مسيرة التطور الرقمي في الأردن: حماية الإنسان من أن يُستخدم دون إذنه، حتى وإن كان ذلك في الفضاء الإلكتروني.