الرحمة ميزان الإنسانية .. وأين أنتم منها؟
بسمة الحجايا
13-07-2025 10:51 AM
في زمنٍ تتسارع فيه صور القتل، وتخفت فيه الأصوات الرحيمة، يبقى سؤال واحد معلّق في الهواء:
أين ذهبت الإنسانية؟
هل استهلكها العالم في سباق السلاح والمصالح؟ أم تآكلت تحت ضغط الأحقاد وتبرير الجرائم؟
منذ سنوات طويلة، والعدو الصهيوني يشنّ حربه باسم “الدفاع عن النفس”، بينما يدفن الأطفال أحياء، ويقصف المستشفيات، ويحاصر الجياع.
لا يستثني رضيعًا، ولا يوقّر شيخًا، ولا يرحم مريضًا.
يدمّر ويقتل، ثم يخرج إلى شاشات العالم يتحدث عن “أمنه المهدد”، و”حقه في البقاء”، متناسيًا أن الإنسانية لا تقوم على البقاء بالقوة، بل بالحياة المشتركة، والعدل، والرحمة.
أمام هذا المشهد المذل، يختار كثيرون الصمت، أو التبرير، أو الحياد الكاذب.
بينما يُقتل الأبرياء في وضح النهار، يبحث العالم عن لغة دبلوماسية لتفسير المجازر.
لكن ماذا تُسمّى مجزرة تُرتكب على الهواء مباشرة؟
وأي شرعية تُمنح لمن يصوّب بندقيته على جسدٍ صغير يبحث عن ماء أو فتات خبز؟
الذين يتحدثون عن الحريات وحقوق الإنسان، هم أنفسهم من يرفض أن يسمع صراخ غزة، أو يرى عظام أطفالها تتناثر على شواطئ البحر.
يستنفرون لأجل قطة ضالة في أوروبا، ثم يبتلعون ألسنتهم أمام حصار كامل لمدينة بأكملها.
يكيلون الرحمة بمكيالين، ويشوهون صورة الإسلام، وهو الدين الذي جاء بالرحمة للعالمين، ومنع قطع الشجر وقت الحرب، وحرّم قتل النساء والأطفال، وأوصى بالرفق بالحيوان والجماد والإنسان.
حين وجدت قطة هزيلة أمام منزلي الريفي، لم أملك أن أمرّ بجانبها كأنها لا تعني لي شيئًا.
نظرت إليّ كما ينظر المكسور، وكأنها ترجوني أن أفهم ما لم تقله.
طعمتها وسقيتها، ثم تركتها في مكان آمن. لم يكن لدي أكثر لأقدمه، لكن كان علي أن أقدّم شيئًا، لأن الرحمة لا تسأل عن الدين، ولا الجنسية، ولا اللغة.
وقبلها بأيام، أمسكت غصن شجرة غار كانت تذبل، ولامستها كأنها طفل مريض. بعد أيام قليلة، أزهرت من جديد.
حتى الشجر يفهم من يحنو عليه، ويستجيب لمن يلمسه بحب.
من يمارس القتل لا يمكنه أن يدّعي الأخلاق، ومن يفقد الإحساس بحياة الآخرين، لا يمكنه أن يتحدث عن “السلام”.
هم لا يقاتلون دولة، بل يطاردون فصيلًا صغيرًا منذ سنوات، ومع ذلك لم يستطيعوا الانتصار عليه.
فكيف إذًا يبررون كل هذا الدمار؟ وكيف يقنعون أنفسهم أنهم قوة عظمى بينما يرتجفون من طفل يحمل حجرًا؟
شهد كثير من الأطباء الذين ذهبوا إلى غزة، أن الجوع لحقهم، وأنهم خسروا أوزانهم في أيام قليلة، لكنهم كانوا أكثر عزيمة، وأكثر كرامة من المحتل الذي يختبئ خلف دباباته.
هؤلاء المتطوعون من العرب والأجانب، الذين قدّموا أرواحهم من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، هم الوجه الحقيقي للإنسانية، وهم الجدار الأخير الذي يفصل بيننا وبين الهاوية.
الرحمة ليست شعارًا دينيًا، ولا موقفًا عابرًا.
هي سلوك، وثقافة، وقرار داخلي بأن تبقى إنسانًا، رغم كل ما يغريك بالقسوة.
هي أن ترفض أن تشبه جلادك، وأن تضع حدًا لدوّامة العنف لا بالمزيد من العنف، بل بالإصرار على البقاء حيًّا بالقلب والعقل.
هذا العالم لن يُقاس يومًا بعدد جيوشه أو حجم اقتصاده، بل بقدرته على حماية الضعفاء، وإكرام المظلومين، والوقوف إلى جانب أولئك الذين لا صوت لهم.
ومن لا يرى ذلك، فقد خسر إنسانيته، ولو ظنّ أنه يربح كل شيء