تصريحات الوزير .. البحث العلمي وأداء الجامعات الأردنية
م. ساندرا الحياري
13-07-2025 08:17 PM
تنشغل الأوساط الأكاديمية هذه الأيام بتصريح وزير التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي حول تعليقه على دراسة أُعد من خلالها مؤشر جديد لقياس للبحث العلمي في الجامعات ويُدعى بمؤشر النزاهة في البحث (أو بتعبير أدق، "مؤشر مخاطر سلامة البحث"). وتم إعداد هذه الدراسة في الجامعة الأمريكية في بيروت وتم النشر عنها على شكل خبر في موقع إحدى أرقى المجلات العلمية في العالم (nature). والبحث الآن في إطار ما يسمى في عالم النشر الأكاديمي ب "preprint"، أي تم إعلانه قبل أن يُنشر كمقال علمي في مجلة علمية مُحكمة، وسيخضع للتحكيم العلمي.
نظرًا لأن مؤشر نزاهة البحث مؤشر حديث ويُعد طريقة جديدة لقياس مدى التزام الجامعات بإعداد بحوث علمية رصينة، فإن له قيمة علمية هامة في فهم جودة البحث الذي تقدمه الجامعات. يقيس المؤشر، لكل جامعة، نسبة الأبحاث الصادرة عنها والمنشورة في مجلات لم يعد يُعترف بها كمجلات علمية في قاعدتين عالميتين للبيانات العلمية بسبب ضعف جودتها العلمية. كما يقيس المؤشر نسبة الأبحاث التي تم سحبها من كل جامعة نتيجة وجود مشكلات جوهرية فيها. وإذا ما صدق هذا المؤشر في نتائجه، فإنه يدق ناقوس خطر على واقع التعليم الجامعي في الأردن، بل وإنه قد يُعَّبر بطريقة علمية ما أصبح معروفاً منذ زمن بعيد عن التدهور الحاصل في مستوى البحث العلمي في الجامعات الأردنية.
ومن المفاجآت التي تضج بها بعض نقاشات الأواسط الأكاديمية أنها تركز على شخصنة المشكلة، فمنها من ينتقد أن المؤشر تم إعداده من قبل أكاديمي منفرد، ومنها من يتهم الوزير بأن تصريحه حول الموضوع يُلقي بإضاءات جدية غير مُجاملة لواقع البحث العلمي في الأردن. وقد ذهبت بعض الانتقادات إلى اتهام الباحث والوزير بأنهما يُسيئان لسمعة التعليم العالي في الأردن. وتشكل طبيعة النقاشات التي تتجه نحو هذه الشخصنة مشكلتين رئيسيتين:
المشكلة الأولى، أن من يدّعون أن واقع التعليم الأردني جيد يناقضون أنفسهم، فلو لم يكن واقع البحث العلمي صعباً، فكيف يستطيع أن يكون لشخصين (مهما كانت صفتهما) هذه الدرجة من التأثير على سمعة الجامعات المحلية؟ المشكلة الثانية تكمن بأن هنالك رفضاً لطرح المشكلات بصراحة وذلك كمقدمة لإيجاد مساحات لتصويبها. فهنالك من يعتبر هذا التصريح واقعياً ويلامس تجارب ومعاناة من يحاولون القيام ببحث علمي ذو جودة من جهة أو تجارب القائمين على تدريس المواد الأكاديمية الذين يلمسون تجاوزات باتت في بعض الأحيان مُمنهجة ومُؤسّسة.
فعلى سبيل المثال، وعلى مدار العقدين الماضيين، لامست ذلك من عدة جوانب، سواء كطالبة في جامعتين أردنيتين، أو كمُحاضرة في جامعة ثالثة أو كمُحكمة خارجية في عدة جامعات. وما لامسته هو أن التدهور الحاصل في مستوى جودة البحث العلمي ليس بسر لا على الهيئات التدريسية ولا على الطلاب. فعلى سبيل المثال، رأيت إعلاناً في إحدى الجامعات لبيع مشاريع للطلاب مُعلقا ًعلى حائط الإعلان الرئيسي في قسم فيها. وفي جامعة أخرى، جاء أحد الطلاب ليُشارك معي أن زملاء سابقين له في كلية مُجتمع يتلقون مبالغ من المال من طلاب في جامعة أخرى لإعداد مشاريعهم. بل هنالك حركة تجارية حول بيع المشاريع العلمية من خلال مكاتب تبيع الأبحاث الجامعية مقابل مبالغ مالية، وتمتد ممارسات شراء الأبحاث العلمية إلى بعض المدارس.
إن التركيز على مدى رصانة المؤشر ودقته يقع بين يدي المُحكمين العلميين وليس بين يدي جمهور غاضب من التصريحات أو من الدراسة. فإن الانفعالات في هذا الشأن ليست هي التي تُحدد مدى الرصانة الأكاديمية للمؤشر، وإن توجيه أصابع الاتهام للباحث أو للوزير ليس الحل. من المُؤمّل أن يأخذ النقاش العام مساراً أكثر انفتاحاً نحو المٌكاشفة الصريحة حول الاختلالات البنيوية في واقع التعليم العالي الأردني، وكيف من الممكن تداركها في الوقت الذي لا يزال فيه التدارك ممكناً للنهوض بواقع تعليم أفضل في البلاد. فلطالما كان يشار للأردن بالبنان في مجال التعليم، ومن الجدير أن يبقى كذلك لمستقبل أفضل. وأي طرح غير ذلك ما هو إلا تضميد مرحلي لجراح، وترحيل للمشكلة التي ستكبر مع الأيام وقد تصل إلى مرحلة لا عودة فيها نحو الإصلاح.
* م. ساندرا الحياري - مستشارة في التخطيط الحضري وطالبة الدكتوراة في جامعة أكسفورد.