نحو بيئة تربوية مُنافسة: الإبداع التنظيمي أداة لتحقيق الريادة
د. تسنيم نبيل شقورة
14-07-2025 01:53 PM
في ظل التحديات المتسارعة التي تشهدها بيئة العمل المعاصرة، باتت المؤسسات التربوية، تواجه ضغوطاً متزايدة تدفعها نحو التنافس سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. ومن هنا أصبحت الحاجة إلى الإبداع التنظيمي مطلباً ملحاً لضمان التميز في الأداء والمحافظة على استمرارية العمل في بيئة تتسم بالتغير الدائم والتنافس المستمر. لذا فقد أصبح العنصر البشري حجر الزاوية في العملية الإبداعية، إذ يُعد الاستثمار في تطوير العاملين وتعزيز قدراتهم الابتكارية أحد أبرز مفاتيح الريادة والتميز. فالتجديد في الأساليب، والممارسات الإدارية والتعليمية، لا يتحقق إلا من خلال تبني بيئة تنظيمية ملائمة تحفز على الإبداع وتحتضن الأفكار الجديدة.
تتجلى أهمية الإبداع التنظيمي في كونه أداة استراتيجية للتطوير المستمر وتحسين الأداء ورفع الكفاءة، إذ يسهم بشكل كبير في حل المشكلات التنظيمية والارتقاء بمستوى العمل. وقد أظهرت المستجدات المتلاحقة في عصرنا الراهن أهمية التفكير الإبداعي كوسيلة لطرح حلول مبتكرة، ما يعزز من فعالية المؤسسة واستجابتها السريعة للمتغيرات. فالإبداع لا يولد من فراغ، بل يقود إلى التجديد، والتجديد يفتح آفاق التميز والتفوق. وفي هذا السياق، يمكن تصنيف المؤسسات التربوية إلى فئتين: فئة تسير في ركب التطور وتبادر بالإبداع، وأخرى تقف عند حدود التقليد والاكتفاء بما هو قائم. ومن الطبيعي أن تسعى المؤسسة التربوية لتكون ضمن الفئة الأولى لتواكب التحولات وتواجه التحديات بفاعلية.
وفي هذا الإطار، اتسع مفهوم الإبداع التنظيمي ليشمل جوانب متعددة تتجاوز تطوير الأهداف أو الخدمات، بل أيضاً تهيئة بيئة داخلية وخارجية داعمة للإبداع. فالبيئة الداخلية بما تتضمنه من مناخ تنظيمي، وصلاحيات، وأساليب القيادة التربوية، تلعب دوراً محورياً في تعزيز الإبداع لدى العاملين. ويُعد إيمان العاملين برسالة المؤسسة التربوية والتزامهم بإنجاحها من أهم عوامل تحفيز الإبداع وتحقيق التميز. ولا شك أن العنصر البشري هو أثمن موارد المؤسسة، فهو القادر على استثمار الموارد المادية وتطويع التكنولوجيا لخدمة الأهداف التربوية وزيادة فاعليتها نحو الابتكار والريادة.
هنا يأتي دور القيادة التربوية، والتي يقع على عاتقها مسؤولية خلق بيئة تعليمية وتنظيمية تتسم بالديناميكية والإيجابية. فعلى القائد التربوي أن يكون محفزاً وموجهاً، يعتمد المنهج العلمي في معالجة التحديات، ويذلل العقبات التي قد تعيق عملية الإبداع داخل المؤسسة. فإن المؤسسات التربوية التي تضع الإبداع في صميم استراتيجياتها وتحرص على تطوير قدراتها البشرية وتنظيماتها الداخلية، ستكون الأقدر على مواجهة المستقبل بثقة واحتراف، وستحجز مكانتها ضمن النخبة الريادية في عالم يتسارع نحو التغيير بلا توقف.