ثمة مفارقة صارخة في حياتنا العامة: الفاشلون لا يُحاسبون… بل يُكرَّمون!
لا يُسحب منهم الضوء، بل تُسلّط عليهم الأضواء.
وما يزيد الطين بلة، أن التصفيق لهم أصبح طقسًا متكررًا، يرافق كل خطوة يخطونها نحو المزيد من العجز.
نعيش في زمن صار فيه الفشل يُغلف بورقٍ مذهب، وتُرفَع له اللافتات، وتُكتب له ( بك تزهو المناصب ) والغريب هناك من يغوص في اعماق النفاق ويكتب ( الرجل المناسب في المكان المناسب) ، وكأن الإخفاق أصبح علامة وطنية مسجلة، لا تُنتقد بل تُحتفى!
الفاشل في هذا الزمان لا يشعر بالخجل، بل بالرضا.
ينظر حوله فيجد من يُهاتفه مهنئًا، ومن يُبارك له في المجالس، ومن ينشر له بيان دعمٍ او بوست تأييد، وكأنه أتى بفتح عظيم، مع أنه لم يقدّم سوى الخيبة المتكررة.
من المسؤول عن هذا العبث؟
نحن، بكل أسف.
نحن من استبدلنا ثقافة المحاسبة بثقافة التهليل.
نحن من أضعنا البوصلة حين خلطنا بين “الدعم” و”التمجيد”، وبين “النقد” و”الهدم”.
نحن من جعلنا المجاملة غطاءً للفشل، والصمت تواطؤًا ناعماً، والإشادة وسيلة للتقرب لا للتقييم.
كيف يُصلح الفاشل مساره إن كان محاطًا بالمصفقين؟
وكيف يتطور إن قيل له: “أحسنت” وهو لم يحسن؟
بل كيف ينسحب من المشهد إن كان المجتمع كله يدفعه للبقاء رغم أن أداءه لا يرتقي إلى الحد الأدنى من المسؤولية؟
إن أخطر ما يصيب الأوطان ليس نقص الموارد، ولا تعقيد التحديات، بل غياب الجرأة على قول الحقيقة، واستمراء التزييف، وتطبيع الرداءة.
وإن أخطر البرقيات ليست تلك التي تُرسل، بل تلك التي تُنشر على الملأ بلا وعي، فتشرعن الفشل، وتدفع بالكفاءة إلى الظل، وتُعيد تدوير الخيبة باسم الإنتماء أو الوطنية أو “المصلحة العامة”.
أيُّ مصلحة تلك التي تجعلنا نُقايض المستقبل من أجل راحة فاشل؟
أيُّ وطنٍ نريده إن كنا لا نجرؤ على القول: “كفى!”؟
المرحلة خطيرة ، لا تحتاج إلى برقيات تلميع..
و تسحيج وهز الذنب ، بل إلى دفاتر حساب.
لا تحتاج إلى كلمات تلطّف الواقع، بل إلى مواقف تصوّب المسار.
ولا تحتاج إلى مَن “يُسعد” الفاشلين، بل إلى مَن يُنهي زمنهم.
فلنرفع برقية أخيرة،
لكنها هذه المرة… برقية وعي.