facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




صورة "فتاة النابالم" التي لم يشاهدها الغرب في غزة


حسام الحياري
15-07-2025 02:19 PM

"الشرق شرق، والغرب غرب، ولن يلتقيا أبدًا" هذه المقولة للشاعر الإنجليزي روديارد كيبلينغ تجسّد أكثر من أي وقت مضى، الهوّة الأخلاقية التي كشفها العدوان الإسرائيلي على غزة. فما جرى أظهر استحالة اللقاء ما دام ميزان الإنسانية مختلًّا ومشروطًا بهوية الضحية.

فمنذ اللحظة الأولى لانطلاق العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لم تكن الحرب عسكرية فقط، بل اندلعت بالتوازي معها معركة السرديات. ففي الوقت الذي كانت فيه الصور القادمة من القطاع توثق مجازر مروّعة بحق المدنيين، تبنّى الغرب الرسمي السردية الإسرائيلية كما هي، دون تمحيص أو تحقيق، وكأنها الحقيقة المطلقة.

ومن المفارقات أنه في حرب فيتنام، كانت صورة الطفلة الفيتنامية "كيم فوك" وهي تركض عارية من أثر قصف النابالم الأميركي، كفيلة بأن تهزّ الرأي العام، وتغيّر مجرى الحرب. وسرعان ما أصبحت الصورة رمزًا لوحشية الحرب، وأحد أبرز أسباب الضغط الشعبي لإنهائها. صورة واحدة فقط قلبت الرأي العام، ودفعت نحو وقف الحرب.

لكن في غزة، ورغم آلاف الصور ومئات الساعات من الفيديو التي توثّق جرائم الحرب: أطفال تحت الأنقاض ومجازر في المدارس ومستشفيات ومخيمات للمدنيين تُقصف أمام الكاميرات، لم يتحرك الغرب. لم يرَ في هذه الصور ما رآه في صورة "فتاة النابالم"، لأنه لم يشأ أن يرى، ومرة أخرى، بدت إنسانية الضحايا مشروطة بهويتهم.

بقي الغرب الرسمي متجاهلًا الحقائق والفظائع التي تُبثّ يوميًا على الهواء مباشرة، وواصل دعمه السياسي والعسكري والمالي لإسرائيل. تداعيات الحرب تجاوزت حدود الجغرافيا لتصيب في مقتل صورة الغرب الأخلاقية.

لقد شكّل هذا العدوان اختبارًا حقيقيًا للقيم الغربية في الدفاع عن حقوق الإنسان والعدالة، اختبار فشل فيه الغرب بامتياز. بدا كما لو أن المبادئ والقيم الغربية صالحة فقط للغرب، وحين تخدم مصالحه فقط!

القوة الناعمة التي راكمها لعقود بدأت تتآكل، ولم يعد أحد يصدّق دعواته للعدالة وحقوق الإنسان، لا في العالم العربي ولا في غيره. ولم يعد الغرب نموذجًا يُحتذى، بل صار عبئًا أخلاقيًا يثير الريبة والرفض.

شاهد العالم الازدواجية في المواقف الغربية، فذات المشاهد المُدانة لاستهداف المدنيين والمنشآت الصحية والبنية التحتية في الحرب الروسية على أوكرانيا، كان يقابلها الصمت أو التبرير في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وهو ما كشف أن الخطاب الغربي عن "النظام الدولي" و"حقوق الإنسان" و"القانون الدولي" ليس إلا خطابًا انتقائيًا.

وفي قلب هذه الصورة، ظهرت المؤسسات الأممية والدولية، الأمم المتحدة، مجلس الأمن، محكمة العدل الدولية... كلها بدت عاجزة ومرتهنة لإرادة القوى الكبرى، تُفعّل متى شاء الغرب، وتُعطّل حين تمسّ مصالح حلفائه. هذا العجز الممنهج حوّل هذه المؤسسات من رموز للعدالة إلى واجهات خاوية.

ما نشهده اليوم ليس مجرد أزمة أخلاقية للغرب، بل هو تحوّل استراتيجي عميق وله تداعيات. فالعالم "القديم" الذي كانت تهيمن عليه العواصم الغربية يتآكل، وهذه لحظة تستدعي الخروج من عباءة الانتظار وردّ الفعل، إلى المبادرة لبناء تحالفات جديدة، وتطوير استراتيجيات تقوم على المصالح المشتركة والندية، لا على التبعية.

إنه تحوّل مفصلي. فما يجري في غزة جريمة حرب، لكنه أيضًا مرآة كاشفة لانهيار أخلاقي مدوٍ، ونقطة تحوّل في مسار النظام العالمي. ومن يُحسن قراءة اللحظة، يمكنه أن يستعد لعالم جديد لا مكان فيه للمراهنين على الأخلاق والقيم الغربية التي سقطت.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :