facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الإخوان في الأردن: فرصة مهدورة ونداء للعودة إلى الصف الوطني


أ. د. احمد الخصاونة
16-07-2025 01:43 PM

على مدى عقود طويلة، كان لجماعة الإخوان المسلمين حضور واسع في الأردن، رفعت فيه شعارات الدين والعمل الاجتماعي، وقدمت نفسها فاعلًا رئيسيًا في بناء المجتمع والدولة. غير أن مسيرتها حفلت، إلى جانب ذلك، بفصول من التباعد عن الواقع الوطني، وخيارات انعزالية ساهمت في تآكل الثقة بينها وبين الدولة والمجتمع، حتى باتت، في محطات عديدة، عامل انقسام بدل أن تكون شريكًا في التنمية والوحدة الوطنية.

لقد أُتيحت للجماعة منذ نشأتها في أربعينيات القرن الماضي فرصة ذهبية للاندماج في المشروع الوطني الأردني، في كنف القيادة الهاشمية التي حملت راية الإسلام والاعتدال، وأفسحت المجال أمام جميع القوى الوطنية للمشاركة في بناء الدولة. وكان بوسع الإخوان أن يسجلوا حضورًا إيجابيًا دائمًا، يعكس التدين الفطري المعتدل الذي يتميز به الشعب الأردني بقيادتة الهاشمية، بوصفهم حماة الدين والوطن والإنسان. غير أن قرارات الجماعة وخيارات قياداتها، لا سيما في الاونة الأخيرة، أهدرت تلك الفرصة، حين فضلت الانغلاق التنظيمي والانخراط في أجندات حزبية ضيقة على حساب المصلحة الوطنية العليا.

لقد أظهر الأردنيون منذ البداية احترامًا لخطاب الجماعة الديني والاجتماعي، ومنحوها ثقة كبيرة تمثلت في صناديق الاقتراع وميادين العمل الاجتماعي والتربوي. لكن هذه الثقة سرعان ما تراجعت مع ظهور مؤشرات على تغليب الجماعة ومصلحة التنظيم على مصلحة الوطن، واعتمادها خطاب مواجهة مع الدولة، وإصرارها على العمل السري والارتباطات الخارجية التي أثارت الشكوك حول نواياها ومصادر تمويلها.

أحد الأمثلة البارزة على تلك السياسات الخاطئة تمثل في استحواذ الجماعة على نقابة المعلمين، وتحويلها إلى منصة للصدام والاحتجاج السياسي، ما ألحق أضرارًا بالغة بالعملية التعليمية، وأربك الأسر والطلبة، وأساء إلى صورة النقابات المهنية كبيوت خبرة وطنية جامعة. وقد كان حريًا بالجماعة أن تجعل النقابة إطارًا مهنيًا يسهم في تحسين التعليم والنهوض بالمهنة، لا ساحة لتصفية الحسابات السياسية.
إن هذه الممارسات لم تقتصر آثارها على الجماعة فحسب، بل مثلت خسارة للوطن بأسره، الذي كان ينتظر منها أن تكون شريكًا وطنيًا موثوقًا، يكرس الوحدة الوطنية ويعزز الأمن والاستقرار. ولم يقتصر الأمر على الداخل، إذ تكررت اصطفافات الجماعة إلى جانب تيارات إقليمية وحركات خارجية لا تنسجم مع مصالح الأردن العليا، مما زاد من أعباء الدولة في مواجهة التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية.

لقد أثبتت السنوات الأخيرة أن الجماعة لم تستطع، رغم كل ما أتيح لها، أن تتحرر من ثقافة التنظيم المغلق وعقلية الماضي، أو أن تجدد خطابها ليصبح وطنيًا أردنيًا خالصًا، منسجمًا مع مشروعية الدولة ومؤسساتها. وفي بلد يقوم على شرعية دينية وتاريخية راسخة، قوامها البيت الهاشمي الذي جمع بين القيادة الدينية والسياسية والشرعية الشعبية، لم يكن من المقبول أن تتمترس الجماعة خلف أجندات تنظيمية تتعارض مع هذا الأساس الوطني الثابت.

إن اللحظة الراهنة، بعد القرارات الحاسمة التي اتخذتها الدولة بحل الجماعة وحظر نشاطاتها حمايةً لأمن الوطن واستقراره، تمثل فرصة لكل العقلاء والوسطيين داخل الجماعة وخارجها لإعادة النظر في المسار، ومراجعة الحسابات، والعودة إلى الصف الوطني بروح إيجابية ونية صادقة. فالأردن كان وسيبقى بيت الجميع، تحت ظل القيادة الهاشمية التي لم تغلق أبواب الوطن في وجه أحد، وظلت تحمي الجميع، مهما اختلفت انتماءاتهم الفكرية والسياسية، ما داموا صادقين في ولائهم للوطن ووحدته.

قد سئم الأردنيون، بكل فئاتهم ومشاربهم، من الشعارات الجوفاء والأزمات المفتعلة التي عطّلت مسيرة الوطن، وأهملت مصالح الناس، وأرهقتهم في لقمة عيشهم وأمنهم الاجتماعي والنفسي. لقد أنهكتهم أيضًا تلك العقلية التي تستغل الدين الشريف لتحقيق مكاسب حزبية ضيّقة، على حساب وحدة المجتمع ومصلحة الوطن العليا. إن الناس لم يعودوا يثقون بمن يتخذ من الدين ستارًا، أو من الوطنية شعارًا، ليخفي وراءهما أجندات شخصية أو فئوية لا تمتّ إلى المصلحة العامة بصلة.

ومع ذلك، فإن هذا لا ينطبق على الجميع؛ إذ كان في صفوفهم من هم وطنيون أمناء مخلصون للوطن ولقيادتة ورسالته، غير أن كثيرين منهم أُقصوا أو استُبعدوا عن مواقع التأثير، بفعل سياسات داخلية همّشت الكفاءات واصحاب الفكر الوطني المعتدل، وأبقت على قيادات لا تعكس روح الانتماء الصادق ولا طموحات الناس.

وليس اللوم هنا على الإسلاميين وحدهم؛ فالكثير من الأحزاب الأخرى، على اختلاف اتجاهاتها، لا تزال حبيسة الجمود الفكري، بعيدة عن نبض الشارع، عاجزة عن تقديم برامج حقيقية أو رؤى وطنية خلاقة. فبدل أن تكون هذه الأحزاب مدارس سياسية وفكرية، تصنع الوعي وتربي الأجيال على المواطنة الفاعلة والالتزام الوطني، تحولت لدى كثيرين إلى مجرّد منصات لتحقيق مصالح ضيقة، يستخدمها البعض للوصول إلى المناصب، وضمان الامتيازات الشخصية، وإحاطة الأبناء والأحفاد والأقارب بامتيازات الكرسي، وكأن الوطن إرث خاص يُقتسم بينهم.

لقد سئم الأردنيون من رؤية المشهد الحزبي وقد بات سوقًا للمصالح الشخصية، وميدانًا للسطحية وللمناكفات العقيمة، بدل أن يكون ساحة للعمل الجاد والبنّاء، والتنافس الشريف على خدمة الوطن والمواطن. إن ما يحتاجه الأردن اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، هو عمل وطني صادق، نابع من ضمير حي وروح انتماء خالصة، يضع المصلحة العليا للوطن فوق كل الاعتبارات، ويبتعد عن الحسابات الفئوية والضيقة، وينأى بنفسه عن المناكفات والانقسامات التي فرقت الصف الوطني وأضعفت هيبة الدولة وأرهقت العباد.

لقد آن الأوان لكل الأحزاب والقوى السياسية، الإسلامية وغير الإسلامية، اليمينية واليسارية، ومن تصنف نفسها في الوسط أو على الأطراف، شرقية كانت أم غربية ، أن تراجع ذاتها بصدق، وتعيد النظر في أولوياتها، وترتقي إلى مستوى وعي الشعب وتطلعاته. فالوطن اليوم بحاجة إلى قيادات سياسية، قيادات ادارية ، قيادات اكاديمية، تتحمل المسؤولية بجدية، تحمل هموم الوطن وهموم الناس، وتجسد معاني النزاهة والإخلاص، وتطرح برامج عملية حقيقية قابلة للتطبيق، لا إلى زعامات تسعى وراء مجد شخصي أو منافع خاصة ضيقة. إن الأردنيين، بما جبلوا عليه من وعي وانتماء صادق، لم يعودوا يقبلون المزاودات الفارغة، ولا يستسيغون الخداع والمراوغة. إنهم اليوم يتطلعون إلى عمل وطني جامع، يترجم شعار «الوطن فوق الجميع» إلى واقع ملموس في حياتهم اليومية، وفي أداء مؤسسات الدولة، وفي صناعة المستقبل الذي يستحقه الأردن وأبناؤه.

إن المسؤولية الوطنية، في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ الأردن، تفرض على الجميع أن يتجاوزوا الأنانيات الضيقة والمصالح الصغيرة، وأن يلتقوا على كلمة سواء، جوهرها الولاء للوطن، والانتماء الصادق إلى مشروع الدولة الأردنية الجامعة، في ظل القيادة الهاشمية الرشيدة، التي لم تدخر جهدًا في حماية هذا الوطن وصون كرامة أبنائه. فالوطن لم يعد يحتمل مزيدًا من العبث والارتهان للأجندات الضيقة، ولا مزيدًا من إضاعة الوقت في صراعات حزبية لا طائل منها.

إن اللحظة التاريخية التي يعيشها الأردن اليوم، بكل تحدياتها الداخلية والإقليمية، تفرض على جميع القوى السياسية والحزبية، أن ترتقي إلى مستوى المسؤولية الوطنية، وأن تجعل من العمل المخلص للوطن، والتضامن بين أبنائه، والتكاتف على مواجهة التحديات، أولى أولوياتها، بعيدًا عن المزايدات والانقسامات التي لم تجلب للوطن إلا الوهن والتراجع.

إن الظروف الإقليمية الصعبة، والتحديات الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة، تجعل من الواجب على جميع القوى الوطنية أن تتكاتف وتتجاوز خلافاتها، لتصنع معًا مستقبلًا آمنًا مستقرًا مزدهرًا. فلا مستقبل للأردن إلا بوحدة أبنائه والتفافهم حول قيادته الهاشمية الحكيمة، وحول مشروع الدولة الوطنية الجامعة الذي يسع الجميع.

في الختام، يبقى الوطن أكبر وأسمى من أي جماعة أو حزب، وأبقى من كل الخلافات العابرة والمصالح المؤقتة. ومن أراد، أيًّا كان، أن يعيد بناء ثقته لدى الأردنيين، فعليه أن يتخلى عن ثقافة التنظيم السري والانعزال، وعن الأنانية والمصلحة الشخصية، وأن يعيد بناء خطابه على أسس الاعتدال والشفافية، وينخرط بصدق في مؤسسات الدولة والمجتمع، مؤمنًا أن خدمتهما واجب وطني لا مزايدة فيه. كما يجب أن يدرك الجميع أن الولاء الصادق للدولة الأردنية وقيادتها الهاشمية هو الركيزة الثابتة لأي عمل سياسي أو اجتماعي مشروع، وأنه الأساس الذي يقوم عليه أمن الوطن واستقراره وازدهاره.

الأردن بحاجة اليوم إلى الجميع، إلى كل يد تبني، وكل قلب مخلص، وكل عقل منفتح، بعيدًا عن الانغلاق والتشدد. وإذا استجاب العقلاء والوسطيون في الجماعة لهذا النداء الوطني، وأخلصوا النية للوطن، فإن الأردن، بقيادته الهاشمية، سيظل يحتضن أبناءه جميعًا، ويمنحهم الفرصة للمساهمة في مسيرته المباركة نحو المزيد من الأمن والاستقرار والازدهار.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :