المغتربون الأردنيون ومراجعة برنامج تحديث الرؤية الاقتصادية
سعيد عدنان أبو عوده
16-07-2025 07:55 PM
تفيد الأرقام الرسمية بأن حوالات المغتربين الأردنيين تتجاوز أربعة مليارات دولار سنويًا، نحو 75٪ منها تأتي من دول الخليج. وتشير البيانات أيضًا إلى أن مساهمة المغتربين الأردنيين في الدخل السياحي للمملكة تُقدّر بحوالي 30٪. وتُظهر الدراسات الاقتصادية أن حوالات المغتربين تسهم بشكل مباشر في زيادة الودائع في البنوك، خاصة بالعملات الأجنبية، ما ينعكس إيجابيًا على حجم الإقراض للقطاع الخاص ونموه. ويضاف إلى ذلك أثرها الواضح في رفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة الناتج المحلي الحقيقي للمملكة.
أما من حيث الأعداد، فتُشير الإحصاءات إلى أن عدد المغتربين الأردنيين يتجاوز المليون شخص، أي ما يقارب 13٪ من السكان، معظمهم في دول الخليج، وغالبيتهم من حملة الشهادات الجامعية، يعملون في القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى عدد كبير من رجال الأعمال الأردنيين الناجحين، ممن يملكون استثمارات وشركات في مجالات متعددة.
وقبل كل شيء، فإن عمل المغتربين في الخارج يسهم في تخفيف عبء البطالة في الأردن، ويقلل الضغط على موارد الدولة المحدودة. كما أن الدعم المالي الذي يقدمه هؤلاء المغتربون لأسرهم يساعد في تلبية حاجاتهم دون تحميل الدولة أعباء إضافية.
ورغم هذه الأهمية، لم يحظَ المغتربون بالاهتمام المستحق، ولم يتم تناول دورهم وإمكاناتهم وخبراتهم في دعم النمو الاقتصادي والعلمي والمعرفي في الأردن ضمن النسخة الأولى من رؤية التحديث الاقتصادي. ولعل الفرصة باتت مواتية الآن لتدارك هذا النقص، وإدراج دور المغتربين في دعم الاقتصاد الأردني كمحور رئيس في الرؤية الاقتصادية، يستحق العناية والدراسة والتطوير، لما له من فوائد كبيرة في دفع عجلة إنجاح الرؤية الملكية.
ومن غير المقبول أن يستمر التعامل مع ملف المغتربين الأردنيين كملف إنساني لمواطنين مقيمين خارج البلاد، يتبع لإدارة المغتربين في وزارة الخارجية، ويقتصر على رسائل التطمين في الأزمات، أو إصدار التعليمات والتنبيهات، أو الدعوة للمشاركة في المناسبات الوطنية، وغير ذلك. فالمغتربون الأردنيون، وخاصة في دول الخليج، هم “نفط الأردن الحقيقي” — إن جاز التعبير — وإذا ما تم التواصل معهم وتفعيل التشابك المؤسسي المدروس، فإن أثرهم في الاقتصاد الوطني قد يفوق قيمة حوالاتهم النقدية.
فلا يكاد يخلو مشروع حيوي أو مؤسسة اقتصادية بارزة، أو شركة استشارات هندسية أو مالية أو قانونية — سواء عالمية أو محلية في دول الخليج — من الكفاءات الأردنية التي أسهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في نهضة دول الخليج ونمو اقتصاداتها. وقد تم صقل هذه الكفاءات عبر سنوات من التفاعل المباشر مع أهم المؤسسات المالية والبنوك والشركات العالمية في مجالات التكنولوجيا والمعلوماتية والإنشاءات، من خلال عقود مباشرة أو عبر مشاريع من نوع BOT أو BOOT أو IPP، التي ساهمت كفاءات أردنية في صياغتها هندسيًا وماليًا وقانونيًا.
تفعيل دور هذه الكفاءات والاستفادة من شبكة علاقاتها ومعرفتها العميقة بآليات العمل والنجاح في السوق الخليجي، سيكون له أثر بالغ في تعزيز فرص نجاح الشركات الأردنية في مجالات الصناعة والخدمات والمقاولات، وزيادة حصتها من مليارات الدولارات التي تُرصد لمشاريع التطوير والتوريد، ما سينعكس مباشرة على فرص العمل والتوظيف والتدريب للطاقات الشبابية المعطّلة، بالإضافة إلى تعزيز مكانة الأردن كدولة جاذبة للاستثمار، وخاصة الاستثمارات الخليجية التي تبحث دائمًا عن شراكات مع مؤسسات نجحت في بيئة الخليج.
في عام 2017، أجرى كاتب هذه السطور بحثًا بسيطًا بالتعاون مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأردني، حول حصة الأردن من واردات دول الخليج من بعض السلع الأساسية التي يصدرها الأردن، كما وردت في شهادات UNCTAD. وقد أظهرت الدراسة أن حصة صادرات الأردن خلال خمس سنوات — والتي بلغت أكثر من أربعة مليارات دينار — لم تتجاوز 0.7٪ من إجمالي ما استوردته دول الخليج من تلك السلع. ولنا أن نتخيل ما الذي سيحدث لو زادت هذه النسبة بنسبة 1٪ فقط!
ومن الجدير بالذكر أنه في الوقت الذي يعاني فيه سوق عمان المالي، فإن الأسواق المالية والعقارية في الخليج، وخصوصًا في الإمارات، تشهد تميزًا في حجم استثمارات الأردنيين التي تبلغ مليارات الدولارات، إضافة إلى نحو 15 مليار دولار يستثمرها الأردنيون في السعودية، بحسب البيانات الرسمية السعودية.
ويبقى السؤال الصعب: لماذا لا تأتي هذه الاستثمارات إلى الأردن؟ والإجابة، رغم صعوبتها، تبدأ بخطوات ممكنة، أولها أن تراجع الحكومة الأردنية علاقتها بالمغتربين وتشابكها معهم، وخاصة رجال الأعمال والمهنيين العاملين في دول الخليج، من خلال عمل مؤسسي مدروس يعمّق فهم الحكومة للبنى الاجتماعية والاقتصادية والهوية للمغتربين الأردنيين، ويطور أدوات التواصل وبناء الثقة معهم، تمهيدًا لتعزيز مشاركتهم الفاعلة في الاقتصاد الوطني.
لقد أصبح من الضروري إعادة النظر في شكل الزيارات الرسمية إلى البعثات الدبلوماسية الأردنية، والتوقف عن تسويق لقاءات المجاملات مع بعض المقربين من السفارات على أنها نشاطات لتشجيع الاستثمار. فقد ثبت عدم جدواها. وحان الوقت لإعفاء الطواقم الدبلوماسية — المنهكة أساسًا في تقديم الخدمات لعشرات الآلاف من المواطنين — من عبء التواصل مع رجال الأعمال، وإنشاء مؤسسات متخصصة لهذا الغرض، يقودها أصحاب الخبرة والمعرفة والعلاقات.
وأخيرًا، يبقى الأمل أن تبادر الحكومة — التي بدأت مراجعة تطور تنفيذ الرؤية الاقتصادية، وتضم في صفوفها شخصيات ذات خبرة اقتصادية كبيرة وعلى رأسهم الدكتور جعفر حسان — إلى إعادة الاعتبار لدور المغتربين الاقتصادي في الرؤية، لصالح الاقتصاد الأردني أولًا وقبل كل شيء.