السويداء بين نيران الداخل ومخاطر الخارج: قراءة في أبعاد الضربات الإسرائيلية
د. بركات النمر العبادي
17-07-2025 12:48 PM
منذ يوليو 2025، تشهد محافظة السويداء السورية تصعيدًا خطيرًا بين مكوّنات محلية ، خصوصًا بين مجموعات مسلحة من أبناء الطائفة الدرزية وبعض العشائر البدوية، في ظل غياب شبه كامل لمؤسسات الدولة ، غير أن التطور الأخطر لم يكن داخليًا فقط ، بل جاء من خارج الحدود ، حين شنت إسرائيل غارات جوية غير مسبوقة على مواقع للجيش السوري بالقرب من المحافظة ، بحجة حماية "الأقليات الدرزية القريبة من حدودها AP News ، 2025.
رغم أن التصريحات الرسمية الإسرائيلية ركّزت على البُعد الطائفي والإنساني ، إلا أن المراقبين يرون أن الضربات تحمل أهدافًا أبعد من "حماية الدروز"، فبحسب تحليل منشور في The Guardian (2025)، فإن إسرائيل تسعى عمليًا إلى إقامة منطقة عازلة على حدودها الشمالية، خالية من أي تموضع عسكري سوري أو نفوذ إيراني، وهو هدف ظل حاضرًا في العقيدة الأمنية الإسرائيلية منذ سنوات الحرب في سوريا.
كما أن إضعاف الجيش السوري جنوبي البلاد يخدم هدفًا آخر: تقويض سلطة دمشق المركزية، وتوسيع الفجوة بينها وبين المناطق ذات الطابع الطائفي المميز، مثل السويداء و إلى ذلك ، تسعى إسرائيل إلى تعزيز علاقتها مع دروز سوريا ، الذين ينتمي بعضهم إلى نفس العائلات الدرزية داخل إسرائيل ، وفق ما أوردته Financial Times (2025).
الأبعاد الإقليمية: هل تتوسّع رقعة الاشتباك؟
لبنان: حزب الله أمام تحدي جديد الضربات الإسرائيلية قد تُستَفز منها قوى "محور المقاومة"، وعلى رأسها حزب الله ، الذي يعتبر أي تمدد إسرائيلي في سوريا خطًا أحمر وتشير تقارير إلى أن الحزب قد يعيد التمركز في الجنوب اللبناني أو حتى يتدخل ميدانيًا في السويداء بذريعة "الدفاع عن سوريا". سيناريو شبيه بما حدث في صيف 2006 يبدو غير مستبعد، خصوصًا مع اشتداد الخطاب التحذيري من الطرفين The Guardian، 2025.
الأردن: على خط التماس… والقلق يتصاعد .
بالنسبة للأردن، تُعد محافظة السويداء نقطة تماس جغرافي وأمني حساسة فالتصعيد الدائر في الجنوب السوري لا يُثير فقط مخاوف من تمدد الصراع نحو الحدود الأردنية ، بل يفتح أيضًا الباب أمام تحديات أمنية مباشرة، وتشير مصادر أمنية أردنية إلى أن أي انهيار في المنظومة المحلية بالسويداء قد يؤدي إلى نشاط أكبر لشبكات تهريب السلاح والمخدرات ، خاصة أن الجنوب السوري يُعد من المسارات التقليدية لتهريب "الكبتاغون" وغيره من المواد المحظورة باتجاه الأراضي الأردنية.
كما أن التدخل الإسرائيلي الميداني في منطقة ملاصقة للأردن يضعه في موقف دقيق؛ فهي من جهة تعارض التوغلات الخارجية التي قد تخلق فراغات أمنية ، ومن جهة أخرى تسعى للحفاظ على علاقات متوازنة مع الأطراف الدولية المعنية بالملف السوري ، لهذا، تعززالقوات المسلحة الأردنية في الوقت الراهن من الرقابة الحدودية ، وتُكثّف التنسيق الأمني مع العشائر المحلية في البادية الشرقية لضبط التسلل والتهريب.
ومع غياب حلّ سياسي شامل في الجنوب السوري، يبقى الأردن أحد أبرز المتضررين المحتملين من أي انفجار أمني في السويداء، خصوصًا إذا ما تحوّلت المحافظة إلى بؤرة صراع إقليمي تتداخل فيها الأجندات الخارجية.
المسار الدبلوماسي: تهدئة بلا ضمانات .
أعلنت دمشق عن وقف إطلاق نار مبدئي منتصف يوليو بوساطة روسية وإيرانية، شمل الاشتباكات الداخلية فقط دون أن يطال الهجمات الجوية الإسرائيلية، التي لا تزال مستمرة حتى الآن AP News، 2025 وفي موازاة ذلك، بدأت تحرّكات أوروبية، بقيادة فرنسا، تدعو إلى توسيع دور اليونيفيل ليشمل الجنوب السوري أيضًا، في محاولة لاحتواء التوتر الأهلي وتحجيم التأثيرات الخارجFinancial Times ، 2025، والتصعيد الاسرائلي الخارجي تكتيك مألوف ، فقد اختار نتنياهو التدخل في السويداء كفرصة لتصدير الأزمة الداخلية ، عبر استقطاب تعاطف الطائفة الدرزية خارج الحدود، وفتح جبهة جديدة بعيدًا عن الاحتقان في غزة والضفة،ولكن هذا التصعيد قد يعود عليه بنتائج عكسية:
• مواجهة محتملة مع حزب الله وإيران.
• توتير العلاقة مع الأردن والولايات المتحدة.
• إحراج داخلي أمام الشارع الإسرائيلي الرافض لزجّ البلاد في مغامرات عسكرية غير محسوبة.
ورهانات نتنياهو على سياسة "الخارج أولًا" تبدو مكشوفة أمام المجتمع الدولي، بينما تآكل قاعدته الشعبية واستمرار أزماته الداخلية قد يجعلان من هذا التصعيد العسكري في سوريا نقطة تحوّل، بل وربما البداية الحقيقية لنهاية حكمه.
فالوجود الإسرائيلي في السويداء حتى اللحظة لا يتعدى الطابع الجوي، لكنه سابقة خطيرة تمهّد لتحولات في قواعد الاشتباك داخل سوريا، وإذا لم تُضبط التوترات المحلية، فإن المحافظة مرشحة لأن تتحوّل من أزمة داخلية إلى بوابة نزاع إقليمي جديد.
كما أن الأردن يبدو في عين العاصفة، فاستمرار الانفلات الأمني في الجنوب السوري قد ينعكس سلبًا على أمنه الداخلي وحدوده الشمالية، مما يجعل الملف السوري أولوية استراتيجية للدوائر السياسية والأمنية في عمان.
حمى الله الاردن و سدد على طريق الحق خطى قيادته وشعبه .