facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




هل تواجه سوريا اختبار وحدتها؟


فراس النعسان
17-07-2025 03:44 PM

تشكل الأحداث الأخيرة في محافظة السويداء السورية، وخاصة التوترات بين قوات الجيش السوري والفصائل المحلية المسلحة، نقطة تحول دقيقة في المشهد السوري، ومؤشراً على التحديات العميقة التي ما زالت تواجه الدولة في سعيها لإعادة لُحمة الوطن وترسيخ سلطتها على كامل الجغرافيا. فعلى الرغم من سنوات الهدوء النسبي في السويداء، فإن انفجار الموقف بهذا الشكل، وصولاً إلى انسحاب وحدات الجيش، يعكس حجم التعقيد الذي يواجه مركز القرار السوري.

الانسحاب العسكري من محافظة بحجم ورمزية السويداء، ذات الطابع الاجتماعي والديني الخاص، ليس مجرد حدث موضعي، بل يحمل دلالات سياسية وأمنية عميقة. فما جرى يعيد إلى الواجهة مسألة مركزية السلطة السورية وقدرتها الفعلية على إدارة دولة موحّدة في ظل تحولات محلية وإقليمية متسارعة. والمقلق أن هذا الانسحاب ترك فراغاً تسابق إلى ملئه عدد من الفصائل المسلحة، بعضها يحمل أجندات داخلية، وبعضها لا يُستبعد أن يكون على صلة بتأثيرات خارجية، في مقدمتها إسرائيل.

الخطاب السوري الرسمي تمسّك بالتنديد بالتدخلات الخارجية، وعلى رأسها الدور الإسرائيلي الذي لم يخفِ منذ سنوات سعيه لتحويل الجنوب السوري إلى منطقة رخوة أمنياً، عبر الضربات الجوية المتكررة أو دعم بعض الجهات غير النظامية، كل ذلك في إطار استراتيجية تقليص النفوذ الإيراني في سوريا. إلا أن الواقع يشير إلى أن الحكومة السورية تواجه ضغوطاً داخلية حقيقية، تزيد من صعوبة استعادة السيطرة دون الدخول في صدامات مفتوحة أو فرض حلول أمنية قد تؤدي إلى نتائج عكسية.

مع انسحاب الجيش، تبرز الأسئلة: من سيدير السويداء فعلياً؟ هل ستنجح الفصائل المحلية، مثل حركة "رجال الكرامة"، في إدارة الوضع دون الانزلاق إلى الفوضى أو الصدامات الداخلية؟ وهل ستبقى السويداء في منأى عن نفوذ إقليمي متزايد؟ الإجابة لا تزال ضبابية، خاصة أن هذه الفصائل لا تملك رؤية سياسية موحدة، ولا أدوات مؤسساتية قادرة على التعاطي مع تعقيدات الحكم المحلي أو الأمن المجتمعي.

ما حدث يعيد التأكيد على أن وحدة سوريا الجغرافية والسياسية ليست أمراً مفروغاً منه، بل تحتاج إلى جهد سياسي وطني حقيقي، يعترف بالخصوصيات المحلية دون التفريط بالسيادة أو الوقوع في فخ "الإدارات الموازية". إن مشروع الدولة الواحدة، وإن بدا ثابتاً في الخطاب، فإنه يواجه اختباراً عملياً على الأرض، خصوصاً في ظل وجود قوى مسلحة خارجة عن السيطرة المركزية، وبعضها يحظى بدعم شعبي نسبي نتيجة التدهور الاقتصادي والخدماتي.

في هذا السياق، يبدو أن إسرائيل قد تجد في الوضع الجديد في السويداء فرصة لتوسيع نطاق تدخلها، سواء عبر الاستخبارات أو عبر دعم غير مباشر لبعض الفاعلين المحليين، بما يضمن إضعاف مركز الدولة السورية في الجنوب. ومع هذا، فإن استغلال إسرائيل للفراغ لا يُلغي مسؤولية الدولة السورية عن تأمين حضورها وفرض سيادتها بطرق تتجاوز المعالجة العسكرية، وتعتمد بدلاً من ذلك على الشراكة الوطنية والعدالة الاجتماعية.

وجود الفصائل المنفلتة، التي لا تخضع لأوامر الجيش أو مؤسسات الدولة، يشكل تحدياً مستمراً لأي مشروع وطني جامع. هذه الفصائل، إذا لم تُحتوَ ضمن أطر واضحة، قد تصبح أداة اضطراب دائم، قابلة للاستخدام من قبل قوى خارجية أو أطراف ذات مصالح فئوية ضيقة. وهنا، يكمن خطر حقيقي، لأن انفجار السويداء قد يتحول إلى سابقة تُغري مناطق أخرى، خصوصاً تلك التي تمتلك تركيبات مجتمعية مماثلة أو تعاني من التهميش والخدمات المتردية.

سوريا اليوم أمام لحظة فارقة، تتطلب من الدولة أن تتبنى نهجاً جديداً يعيد تعريف العلاقة مع المناطق المحلية، ويعيد الاعتبار إلى الحوكمة الشاملة، لا المراقبة الأمنية فقط. إذا لم يحدث ذلك، فإن ما جرى في السويداء قد لا يكون الأخير، بل بداية لمشهد أكثر تفككاً وتعقيداً، في وقت بات فيه الحفاظ على وحدة البلاد ضرورة وجودية قبل أن يكون خياراً سياسياً.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :