رداً على مقال: المغتربون الأردنيون ومراجعة برنامج تحديث الرؤية الاقتصادية
ماهر أحمد لوكاشه
18-07-2025 12:17 AM
رداً على المقال المنشور بقلم السيد سعيد أبو عودة بعنوان “المغتربون الأردنيون ومراجعة برنامج تحديث الرؤية الاقتصادية”، والذي تناول ملفاً حيوياً يمس شريحة واسعة من أبناء الأردن في الخارج، ويعيد طرح تساؤلات مشروعة حول دورهم في دعم الاقتصاد الوطني ومدى التفاعل الرسمي مع طاقاتهم، أجد من الواجب، بحكم تجربتي الطويلة في العمل الدبلوماسي، أن أُسهم في هذا النقاش برؤية مكملة تبتعد عن التوصيف السائد وتقترب من واقع التجربة العملية.
أولاً: الدور المؤسسي المنوط بوزارة الخارجية
من المهم التذكير بأن التعامل مع شؤون المغتربين ليس حصراً على الجانب القنصلي أو الطمأنة في الأزمات، كما ورد في المقال، بل هو جزء من منظومة أوسع تتقاطع فيها السياسات الاقتصادية، والتمثيل الدبلوماسي، ودور القطاع الخاص، والمؤسسات ذات الصلة بالاستثمار والتجارة. ومن غير المنصف اختزال دور البعثات الأردنية بالخارج في الجوانب البروتوكولية أو المناسباتية، دون الإقرار بأن ثمة جهوداً مستمرة لتعزيز شبكة العلاقات مع الأردنيين في الخارج، وإن كنا بحاجة ماسة إلى إعادة هيكلة هذا الدور وتفعيله ضمن أطر مؤسسية مدروسة.
ثانياً: ضرورة شمولية الرؤية الرسمية
لقد آن الأوان لأن تبلور الدولة الأردنية، ممثلة بالحكومة والجهات المختصة، رؤية متكاملة لاستثمار الطاقات الأردنية المهاجرة، ليس فقط من منظور الحوالات النقدية التي نُقدّر قيمتها وأهميتها، بل عبر توظيف هذه الخبرات في بناء شراكات استراتيجية مع الداخل الأردني. وليس مقبولًا أن تظل مساهمة الكفاءات الأردنية في أسواق الخليج بلا مقابل مماثل من حيث الحضور الاقتصادي والاستثماري في تلك الدول.
ثالثاً: مأسسة العلاقة مع المغتربين
ينبغي أن تكون عملية تعزيز العلاقة مع المغتربين جزءاً من إطار مؤسسي مستدام، لا أن تُبنى على مبادرات فردية أو مناسباتية عابرة. ويتطلب ذلك إنشاء هيئة وطنية تُعنى بشؤون المغتربين، تضطلع بدور التنسيق بين الوزارات والمؤسسات ذات العلاقة، وتؤسس لقاعدة بيانات دقيقة، وتبني منصات تواصل فاعلة مع رجال الأعمال والمستثمرين الأردنيين في الخارج، مع توفير حوافز استثمارية واضحة وجاذبة تشجع على الانخراط في الاستثمار بالوطن الأم.
رابعاً: المسؤولية المشتركة
ليس من العدل إلقاء اللوم فقط على الدبلوماسية أو الحكومة في قصور العلاقة مع المغتربين؛ فثمة مسؤولية مشتركة تقع على عاتق القطاع الخاص، والمؤسسات الاقتصادية، والمغتربين أنفسهم في توثيق علاقتهم بوطنهم، سواء عبر استثمارات مباشرة، أو شراكات اقتصادية، أو مساهمات علمية ومعرفية. كما أن تطوير بيئة الاستثمار في الأردن يظل شرطاً أساسياً لتشجيع هذا التفاعل.
خامساً: الأمل في المراجعات الجارية
إن مراجعة الحكومة لبرنامج تحديث الرؤية الاقتصادية تشكل فرصة حقيقية لوضع ملف المغتربين في صلب الأولويات الوطنية، في إطار سياسة اقتصادية جديدة تدرك أهمية هذا المورد البشري والمعرفي الذي يزخر به الأردن، وتستثمره بما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني ويعزز من مكانة الأردن إقليمياً ودولياً.
في الختام، إن استثمار الطاقات الأردنية المهاجرة يتطلب إرادة سياسية حقيقية، ورؤية استراتيجية بعيدة المدى تدمج بين الدبلوماسية الاقتصادية وأدوات الحوكمة الرشيدة، بما يعيد صوغ العلاقة مع المغتربين باعتبارهم شريكاً حقيقياً في التنمية، لا مجرد مصدر تحويلات مالية.