بلديات بلا ديون: تحويل التحديات إلى فرص تنموية
د. ليال عيسوه
18-07-2025 05:05 PM
رغم الخطوات الإيجابية التي اتُخذت في السنوات الأخيرة لتحديث الإدارة المحلية وتعزيز اللامركزية، لا تزال ديون البلديات في الأردن تشكّل عقبة حقيقية أمام قيامها بأدوارها التنموية والخدمية. وفي ظل الموارد المحدودة، فإن استمرار هذا الوضع من شأنه أن يُفاقم الفجوة بين المواطن والبلدية. لكن عوضاً عن الاكتفاء بتوصيف الأزمة، يمكن لهذه التحديات أن تكون مدخلاً لإعادة التفكير في النموذج البلدي السائد، والبحث عن حلول عملية ومُتجذّرة في الواقع المحلي.
1. من الحسابات إلى التنمية: بلديات ترتكز على الإنتاج المحلي
تاريخياً، اقتصر دور البلديات على تقديم الخدمات الأساسية، إلا أن المرحلة المقبلة تتطلب الانتقال إلى نموذج بلدي منتج. البلديات، خاصة في الأطراف، تملك أصولًا بشرية وطبيعية يمكن تحويلها إلى مشاريع إنتاجية بسيطة، كالوحدات الحرفية، المشاتل، أو مراكز الصيانة المجتمعية.
تجارب محلية في بعض البلديات الصغيرة أثبتت أن الاستقلال المالي الجزئي ممكن إذا وُجدت الإرادة والتصميم، وتم تمكين الموظفين وفرق المجتمع المحلي لإطلاق مشاريع منخفضة الكلفة ذات عائد مباشر على الموازنة التشغيلية.
2. مختبرات شبابية لتحليل الموازنات واقتراح الحلول
بالتعاون مع الجامعات الأردنية وكليات المجتمع، يمكن إطلاق مختبرات مالية داخل بعض البلديات المتعثرة، يديرها شباب متخصصون من أبناء المنطقة.
هذه المختبرات لا تهدف فقط لتحليل النفقات والإيرادات، بل لابتكار حلول محلية قابلة للتطبيق، كتحسين آليات التحصيل، الحد من الهدر، أو ترشيد الإنفاق على العقود والصيانة.
بلدية واحدة فقط تطبق هذه التجربة بنجاح يمكن أن تفتح الطريق لنموذج وطني يُحتذى به.
3. صناديق مجتمعية: تفعيل الرأسمال الاجتماعي
بإشراف البلديات وبشراكة مع المجالس المحلية والمغتربين، يمكن تأسيس صناديق دعم مجتمعية لتمويل مشاريع صغيرة (كالمكتبات، الإنارة، أو إعادة تأهيل الحدائق) دون الاعتماد على التمويل الحكومي أو القروض.
مثل هذه المبادرات، إذا تم تنظيمها قانونياً وإدارياً، من شأنها تعزيز حسّ الانتماء والمسؤولية، وتقوية العلاقة بين المواطن والبلدية، وتفعيل الدور الرقابي المجتمعي.
4. تسوية الديون مقابل الخدمات: نهج تشاركي جديد
بدلاً من الاستمرار في ترحيل الديون عاماً بعد عام، يمكن الدخول في مفاوضات مع الدائنين، لا سيما الشركات المحلية، لتحويل جزء من هذه الديون إلى خدمات.
على سبيل المثال، شركات المقاولات يمكن أن تساهم بصيانة مدرسة، أو تحسين بنية تحتية مقابل خصم جزء من ديونها المستحقة على البلدية.
هذه المعادلة تحقق مصلحة مزدوجة: تقليل الدين، وتقديم خدمات عاجلة للمجتمع المحلي دون كلفة مالية مباشرة.
5. التسويق الذكي للفرص البلدية
العديد من البلديات الأردنية تمتلك أراضٍ أو مباني أو مشاريع غير مستغلة. الحل لا يكمن في بيعها، بل في تسويقها من خلال "دليل استثماري رقمي" خاص بكل بلدية، يُعدّ بلغة بسيطة ويبرز الفرص القابلة للاستثمار المحلي أو الدولي.
هذا الدليل يمكن توزيعه عبر غرف التجارة، السفارات، أو المنصات الحكومية، مع التركيز على الاستثمار الصغير والمتوسط الذي يناسب طبيعة المجتمعات المحلية.
خلاصة: من عبء الديون إلى بلديات مُبادِرة
الديون البلدية ليست أزمة مالية فقط، بل مؤشر على الحاجة لنموذج جديد من الإدارة المحلية يرتكز على التشاركية، الابتكار، والمبادرة الذاتية.
التحول المطلوب لا يرتبط فقط بالتشريعات أو التمويل، بل بالجرأة على التغيير والبدء بخطوات عملية، حتى وإن كانت صغيرة.
بلديات الأردن تملك المقومات الكافية للعب دور تنموي فعّال إذا أُعيد تعريف دورها، وتم تمكينها لتكون فاعلاً اقتصادياً واجتماعياً، لا مجرد جهة خدماتية
* د. ليال عيسوه – باحثة في الإدارة المحلية والشؤون البلدية.