السويداء على مفترق المصير
صالح الشرّاب العبادي
19-07-2025 06:39 PM
حدودٌ تتهددها الطوائف والمصالح… وحدودنا الشمالية في عين العاصفة
ما يجري في محافظة السويداء لم يعد صراعًا محليًا ذا طابع أهلي، بل تحوّل إلى مرحلة مفصلية من إعادة تشكيل الجنوب السوري تحت إيقاع المصالح الطائفية، والإملاءات الإقليمية، والانكفاء الدولي.
فبيان النفير العام الذي أصدرته عشائر عربية من درعا وحماة، بعد مقتل عدد من أبنائها في حوادث دموية على يد فصائل درزية، جاء بمثابة إعلان سياسي يختزل انفجار التوازنات الهشة في الجنوب السوري، ويكشف عن ولادة معسكرين متقابلين: الأول يحمل راية الوحدة السورية ووقف الدم السوري ، والثاني يبحث عن مظلة إسرائيلية لحماية مشروع أقلوي مشبوه تخطى حدود القومية العربية إلى طعنها بالخاصرة ..
الدروز، في لحظة انكشاف استراتيجي، باتوا بين فكي كماشة: تهديدات العشائر التي حملت لواء الوحدة والانتقام في نفس الوقت ، وإغراءات إسرائيلية بتقديم الدعم والحماية الجوية واللوجستية من جهة أخرى ، وهو ما يُذكر بتجربة “الشريط الأمني” الذي أسسته إسرائيل في جنوب لبنان خلال الثمانينات، لكن هذه المرة، على بوابة الجولان.
الأردن… في مركز العاصفة
الأردن ليس مراقبًا ومتابعاً بدقة ، بل أصبح جزءًا حيًّا من المعادلة ، فما يهدد السويداء ليس شأنًا سوريًا داخليًا، بل مسٌّ مباشر بأمن الأردن القومي وهويته الجغرافية والسياسية.
•الجغرافيا لا تحمي ، 60 كلم فقط تفصل السويداء عن الأراضي الأردنية، لكن الخطر الحقيقي يتمثل في تمدد الفراغ السيادي إلى الحدود الشمالية، مما يُحول الأردن وشماله إلى خط تماس متقدم في صراع حدودي مفتوح.
•التهديد المائي: محاولات إسرائيل توسيع نفوذها في الجنوب السوري توازيها مساعٍ للسيطرة على منابع اليرموك وسدود السويداء — وهي الموارد التي يعتمد عليها الأردن في أمنه الغذائي والمائي.
•العبء الأمني يتضاعف: مع كل رصاصة تُطلق في السويداء، يقترب التهديد من حدود المملكة، التي قد تجد نفسها في مواجهة تهريب سلاح، ونشاط ميليشيات، وتسرب خلايا، وتضخم في شبكات التهريب والمخدرات.
سيناريوهات الانفجار
1.حرب أهلية بالوكالة: بين فصائل محلية درزية مدعومة إسرائيليًا وعشائر عربية حاضنة لغضب دموي وثأري ولكن بثوب سوري ، مما يفتح الباب لتدخلات خارجية متقاطعة.
2.تدويل الملف الطائفي: إسرائيل تتقمص دور “الراعي الإنساني” للطائفة الدرزية، وتستخدم الورقة الطائفية كورقة ضغط إقليمي لفرض معادلات جديدة.
3.نزيف إلى الحدود الأردنية: وهو نزيف أمني، واجتماعي، واقتصادي، وبيئي — يهدد الاستقرار الداخلي، ويضعف مضاعفة عبء المملكة على احتواء الأزمات القادمة.
4.تشكل “هلال يهودي درزي” على غرار الهلال الشيعي، لكنه لا يقل خطورة وإجرامية .. فكل هلال خارجي في المنطقة هو قوسٌ موجهٌ نحو الأردن ..
هذه اللحظة اختبار سيادي
•اللعبة لم تعد على خرائط الدول، بل على خرائط الطوائف. وإسرائيل تدفع نحو كسر مفهوم الدولة في الجنوب السوري لصالح مشروع حدودي يُصاغ بالأقلية والدم ..
•المنظمات الدولية صامتة، والمجتمع الدولي غارق في سرديات مشوشة ، والبيئة الإقليمية خصبة لصناعة كيانات فاشلة تُستخدم كأدوات ضغط.
•الأردن وجه خطاب سيادي جديد، يعلن فيه رفضه القاطع لتحويل خاصرته الشمالية إلى ملعب تنازع مذهبي، ويطالب بحماية وحدة سوريا، لا فقط من أجلها، بل من أجل أمنه، وأمن جواره من بعده ..
خلاصة المشهد: الشطرنج أصبح ناريًا
الجنوب السوري تحول إلى رقعة شطرنج دولية، تُحرك فيها إسرائيل القطع الطائفية، وتُشعل فيها صراعات بالوكالة، بينما تغيب الدولة المركزية التي تحتاج إلى دعم كامل للمحافظة على وحدة سوريا .
الأردن، الذي بقي طويلاً قلعة الاستقرار، لم يعد يتحرك كما كان ، فالنار التي تشتعل على بعد كيلومترات، إن تُركت، ستصل شررها وتتعدى إلى دول تعتقد أنها بمنأى عن ذلك الشرر .
الاستحقاق أردني قبل أن يكون سوريًا. والسيادة لا تُمارس بالبيانات، بل بالمواقف الصلبة، والتحرك الدبلوماسي الفاعل، والاستباق الأمني الذكي ..