facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




في زمن مهزلة المهزلة: حين يعربد العبث وتغيب الضوابط


د. نعيم الملكاوي
20-07-2025 11:42 AM

في هذا الكوكب المتصدّع بالصراخ والدم والاقليم المشتعل بمهازل كي الوعي الجمعي ، لم نعد شهوداً على الانهيار... بل أصبحنا جزءاً من مهرجان عبثيّ تتقاطع فيه الدماء بالصفقات ، وتتناوب فيه الأمم على أداء أدوار التهريج السياسي والجيوستراتيجي .

الشرق الأوسط ، هذا المسرح المفتوح على الجراح ، لم يعد يحترق فقط ... بل يُدار كعرض كاريكاتوريّ أبطاله لصوص ومهرّجون بربطات عنق . لا ضوابط تضبط ، ولا رادع يردع ، ولا عقلاء يُصغى إليهم.
لقد انقلبت المعايير حتى غدت الغطرسة سياسة ، والخيانة دهاء ، والصمت حكمة ، والجنون " رؤية استراتيجية " .

في هذا الزمن المعطوب ، لم نعد نعيش الفوضى … بل نُدار بها . العالم لا يتجه نحو المجهول ، بل يسير بخطى حثيثة إلى هاوية يعرفها جيداً ، لكنه يصفّق لها ، ويدّعي أنها " عصر جديد " .

الشرق الأوسط في قلب هذا العبث ، لم يعد كضحية فقط ، بل كمنصة لعرض " مهزلة المهزلة " أمام جمهور فقد البصر والبصيرة معاً .

نحن نعيش مرحلة ما بعد المنطق ، حيث باتت الغطرسة قانوناً غير مكتوب ، والدبلوماسية قناعاً للتآمر على الشعوب ، والحروب مشروعاً استثمارياً ، والدماء مجرد تفصيل إحصائي في نشرات الأخبار . دول تُباد ، وشعوب تُنسى ، ومدن تُقصف تحت شعارات الأمن والسلام ، بينما المجرم يجلس على مقعد الشرعية ، ويُمنح الأوسمة .

غزة تُقصف وتباد منذ شهور، والعالم يُجري "مفاوضات" حول آلية إيصال الطحين لمن بقي تحت الأنقاض . سوريا يعبث في مكوناتها ، واليمن بات جرحاً صامتاً ، ولبنان يتنفس على جهاز تنفس إقليمي ، والعراق يئن بين مطرقة الاحتلال الأمريكي وسندان الهيمنة الإيرانية ، والسودان يتم غربلته بأزيز السلاح ، وليبيا لم يرسم لها قرار ، بينما يُطلب من الشعوب أن "تؤمن بالإصلاح". أما الأردن ، فيقف على حافة التوازن الحرج ، يتلقى رياح الشرق والغرب ، ويُطالب بالهدوء وحلول العقلنة ، حتى وهو في قلب العاصفة محاولاً درء رمالها عن الجميع .

أما الفاعلون الكبار ، فهم يمارسون السياسة كأنها لعبة شطرنج ، يُضحّون بالعسكر مقابل الوزير ، ويوقّعون اتفاقات علنية، ويُديرون مؤامرات سرية.

الولايات المتحدة تُقدّم نفسها حامية للديمقراطية ، بينما تُسلّح الأنظمة المستبدة وتدعم الاحتلالات ، وروسيا ترفع راية "التحرر من الغرب" ، لكنها تدك المدن بالبراميل والصواريخ . أوروبا تائهة بين أخلاقياتها الباردة ومصالحها الدافئة ، لا تقوى على قول "لا" ، ولا تعرف متى تقول "نعم " .

وفي قلب هذا المشهد ، تبرز إسرائيل كمثال فجّ للغطرسة المنفلتة من كل قيد . تضرب ، تقتل وتقصف ، وتزعم أنها تدافع عن نفسها وامنها ، بينما تفتح عواصم العرب أبوابها لتُفرش لها السجّاد الأحمر ، وتُعزف لها الأناشيد التي كانت يوماً تُخصّص لاستقبال القادة الفاتحين .

أين الضوابط ؟ من يُحاسب من ؟ من بقي ليرفع صوته دون أن يُتّهم بالإرهاب ، أو يُسجن بتهمة "إثارة الفتن" ؟
لقد تحوّلنا إلى كائنات تشاهد الكارثة ، وتناقشها بلغة الحياد ، كأننا لا ننتمي لهذا الكوكب ، وكأن الدم الذي يُسكب لا يعنينا.

إنها مهزلة … لا ، بل مهزلة المهزلة ، حيث لم يبقَ شيء إلا وانهار : النظام ، القيم ، اللغة ، وحتى المنطق .
صار للجنون منابر ، وللخيانة رايات ، وللعار وجوه تُبتسم في المؤتمرات .

ربما لا زال هناك زمن للحظة صحو ، وربما لم يعد .

فالعالم لا يحتاج اليوم إلى مزيد من القرارات ، بل إلى قليل من الضمير والمواقف .

نحن لا نعيش فقط في عصر بلا رادع … بل في زمن يرقص فيه الباطل على جثث المعاني ، وتُصفّق له جماهير استُلب منها الحسّ ، وصودرت منها الكرامة .

فهل يبقى شيء في هذا الركام يُمكن البناء عليه ؟

أم أنّ هذا الكوكب اختار أن يُصفّي حسابه مع تاريخه ، ويبدأ عصراً جديداً ، لا مكان فيه إلا للأقوياء … حتى لو كانوا مجانين بلا ضمير ؟





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :