في زمنٍ تهاوت فيه كثير من القيم، واهتزت المواقف تحت وطأة المصالح، بقي الأردن شامخًا، ثابتًا، يتقدم الصفوف دفاعًا عن قضايا الأمة، وفي مقدّمتها فلسطين، وغزة تحديدًا، الجرح النازف في خاصرة الكرامة العربية.

ليس جديدًا على الأردن أن يكون شريان حياة لغزة، لكنه اليوم، في ظل حرب الإبادة التي تشنها آلة الاحتلال على المدنيين، يقدّم مثالًا نادرًا في الشجاعة السياسية والإنسانية، فمنذ اليوم الأول للعدوان، اختار الأردن أن لا يقف متفرجًا، بل دخل ساحة الفعل، بالفعل، لا بالبيان.

حمل الطائرات، وسيّر القوافل، واخترق الحدود الملتهبة بالنار ليقول: "لسنا على الحياد حين تموت الشعوب".

قيادة جلالة الملك عبد الله الثاني قدّمت أنموذجًا غير مسبوق في الدعم الصادق لغزة ، لم تكن مجرد تصريحات، بل خطوات عملية متواصلة، رغم التهديدات والتحديات ، الأوامر الملكية لم تتوقف: إنزال جوي، جسور إغاثة، دعم طبي، ورفض مطلق لأي شكل من أشكال تصفية القضية الفلسطينية أو تمويتها تحت ركام الصمت.

الأردن، بقيادته وشعبه، لم يعرف الحياد أمام المأساة، ولم يساوم على القيم. شعبٌ لا يهنأ بلقمة خبز وهو يعلم أن طفلاً في غزة ينام جائعًا، ولا يشرب ماءً دون أن يتذكر أطفالًا يصرخون من العطش خلف الأسلاك.

الأردني، وهو يرى صور الدمار والموت، يختنق بالحسرة، ويشعر أن روحه تحاصر في كل شارع يُقصف، وفي كل جنازة تُرفع، وفي كل مستشفى يُفرغ من الحياة.

ورغم الحصار السياسي، والتوازنات الإقليمية، والمخاطر الأمنية، أصرّ الأردن على أن يبقى الشريان النابض لغزة.

شريان محفوف بالنار والمخاطر، لكنه ممتلئ بالعزّة والمروءة.

شريان لا يتوقف، لأن الحياة لا تتوقف، والكرامة لا تُؤجّل.

الأردن اليوم لا يدافع فقط عن غزة، بل عن ضمير الأمة كله ، يقف حيث تراجعت كثير من الدول، ويتقدم حيث تأخّر الكثير . في الميدان، وعلى الجبهات السياسية، وفي ساحات الوعي، يكتب الأردن فصلاً جديدًا من التضامن النبيل، والقيادة الشجاعة، والوقوف إلى جانب المظلوم مهما عظمت التضحيات.

فلسطين ليست قضية خارجية بالنسبة للأردني، بل مسألة وجود وهوية ودم مشترك. وغزة، ليست مجرد مكان بعيد، بل قطعة من القلب، وأقرب إلينا من عصبنا.

ومن الأردن، سيبقى الصوت عاليًا:
غزة لن تُترك، وفلسطين لن تُنسى، والشعوب التي تصمد، لا تموت.