هل يمكن للضمان أن يصبح صندوقًا سياديًا؟
يزيد ابو سماقة
21-07-2025 12:33 PM
في كل بلد يفتقر إلى الفوائض النفطية أو المالية، يصبح صندوق التقاعد ليس فقط مظلة حماية اجتماعية، بل الأداة الوحيدة المتبقية لبناء ثروة وطنية.
صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي تجاوز 16 مليار دينار، وهو رقم هائل في اقتصاد حجمه الكلي لا يتجاوز 40 مليار دينار. لكن السؤال الأهم: هل تُدار هذه الثروة بطريقة تليق بحجمها؟
وهنا تأتي الفكرة التي لم تعد رفاهية نظرية، بل ضرورة وطنية: تحويل صندوق استثمار أموال الضمان إلى نموذج يشبه الصناديق السيادية. لا أقصد فقط في الشكل، فمن حيث الشكل نحن نبدو كصندوق سيادي، بل أقصد في العقلية، والاستقلالية، والتوزيع الجغرافي، والزمن الاستثماري الطويل.
لأن الوضع الحالي للصندوق يجعله أقرب إلى “خزان تمويل حكومي” منه إلى أداة تعظيم ثروة للمنتفعين. أكثر من 57% من أموال الضمان موضوعة في سندات حكومية. هذه ليست استثمارات، بل “ديون متبادلة” داخل الدولة نفسها. بمعنى أدق: الصندوق يقرض الحكومة، وتحسم الحكومة على نفسها فائدة، وتدفعها لاحقًا من نفس جيب المواطن.
العوائد الحالية التي تتراوح بين 5% و6% قد تبدو جيدة رقميًا، لكنها لا تعكس صافي العائد بعد التضخم، ولا تبني قوة شرائية مستدامة للتقاعد بعد ١٠ أو ١٥ عامًا. ومع تسارع التضخم، فإن العوائد الحقيقية اليوم قد تكون قريبة من الصفر، بل وسلبية أحيانًا.
صحيح أن أموال الضمان ليست فائضًا عامًا للدولة، لكنها حين تُدار بأدوات سيادية، فإنها تحافظ على حق العامل، وتبني اقتصادًا وطنيًا أقوى.
الصناديق السيادية الناجحة تنوع استثماراتها عالميًا وفي قطاعات مثل التكنولوجيا والطاقة المتجددة والذهب، وتدار باستقلالية وشفافية بعيدًا عن الضغوط الحكومية اليومية. والأهم من ذلك: تفصل قرار الاستثمار عن القرار السياسي، فالأول يحمي المال، والثاني قد يستنزفه.
ولكي لا يبقى هذا الطرح فكرة نظرية، فإن بناء عقلية سيادية لإدارة صندوق الضمان يجب أن يتم عبر خطة متدرجة وقابلة للتطبيق خلال 10 سنوات
والأمثلة موجودة: صندوق النرويج السيادي بدأ بثروة نفطية، لكن نجاحه جاء من تنويع ذكي طويل الأجل، لا من النفط فقط. وصندوق “تمسيك” في سنغافورة لم يقم على موارد طبيعية، بل على إرادة إدارية وخطط استثمارية جريئة ومدروسة.
الضمان يمكن أن يصبح “صندوقًا سياديًا مشروطًا بالربحية” إذا أُدار كأداة لحماية وتنمية أموال الناس، بعقلية استثمارية متزنة، وبعيدة عن عبث السياسة اليومية.
كل فلس لا يُستثمر جيدًا اليوم، هو دين مؤجل على رقبة جيل سيشيخ دون ضمان حقيقي غدًا.
إما أن نستمر في إدارة المليارات بعقلية الحساب الجاري، أو ننتقل إلى عقلية بناء المستقبل.
الاختيار ليس ماليًا فقط، بل وطنيًا، وإنسانيًا أيضًا.