تستحق ظاهرة صمت النخب السياسية في الأردن – من رؤساء وزراء ووزراء سابقين وأعيان ونواب وعسكريين ومدنيين خدموا في مواقع عليا وحساسة وقفة جادة وتأملًا عميقًا، ففي وقت تتكاثف فيه الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، اختارت هذه النخب التراجع إلى الظل، وغابت عن النقاش العام، تاركة فراغًا لا يسده الخطاب الشعبوي ولا التحليل السطحي.
نتفق أو نختلف معهم، لكن لا يمكن إنكار ما تمتلكه هذه النخب من تراكم في الخبرة، ومعرفة عميقة ببنية الدولة ومصالحها وتشابكاتها الداخلية والخارجية. فهؤلاء – شئنا أم أبينا – يشكّلون جزءًا من منظومة الحماية الوطنية، وصمامات أمان سياسية واجتماعية لا يمكن تعويضها بسهولة.
وهنا يأتي السؤال: لماذا غابوا؟ هل هو زهد طوعي؟ أم انسحاب محسوب؟ أم إحباط من تراجع الدور العام للنخب؟ أم لعدم وجود أُطر مؤسسية لهذا الدور والحضور؟
وسط هذا الغياب، يبرز منتدى محمد الحموري للتنمية الثقافية كمبادرة لافتة تعيد الاعتبار لفكرة الدور الوطني لرجال الدولة. فمن خلال سلسلة "حرب الوعي والرواية"، أتاح المنتدى مساحة لإعادة حضور لرجل الدولة، وبيان رأيه في العديد من القضايا بمشاركة شخصيات من العيار الثقيل مثل دولة عبد الرؤوف الروابدة ودولة سمير الرفاعي ودولة الدكتور عمر الرزاز و الدكتور مروان المعشر، وهو ما يُنتظر أن يتواصل ضمن نهج المنتدى في توفير منصة رصينة للحوارات الوطنية العميقة.
لم يكن عبثًا أن يحمل المنتدى اسم الدكتور محمد الحموري، الذي يُعد أنموذجاً فريدا لرجل الدولة. فالحموري لم يلتحف الصمت، و رأى بأن وجوده في السلطة ليس مرحلة، بل التزام وولاء، وقد بقي فاعلاً داخل السلطة وخارجها حتى وفاته.
وإذا كان من المهم الإشادة بنموذج الدكتور الحموري، فإننا لا يمكن أن نتجاهل الحضور الفاعل لبعض رجال الدولة الذين ما زالوا يشاركون في الحوارات والندوات، ويؤلفون ويكتبون، كدولة عبد الرؤوف الروابدة، الذي ما زال صوته حاضرًا ومؤثرًا، ويُعد من القلائل الذين بقوا على تواصل مع الشأن العام بلغة مسؤولة.
إن الحديث عن استعادة النخبة لدورها لا يعني العودة إلى الماضي أو إحياء طبقة سياسية تقليدية، بل يتعلق بإعادة تفعيل مبدأ "المسؤولية المستمرة" لمن يملكون التجربة والخبرة. فالدور لا ينتهي بالخروج من السلطة، فالسلطة المعنوية والأدبية باقية ومستمرة لفهم أدق للمشهد الوطني والإقليمي.
صوت رجال الدولة ينبغي أن لا يغيب أو يُغيب بحال، لما يؤدي إليه هذا الغياب من فساد في الحال وسوء في المال.