حين تموت غزة جوعا بجريمة حرب
جمال القيسي
21-07-2025 03:30 PM
في عالم عربي وغربي يفيض بكل شيء: الطعام، والصور، والبيانات، والتصريحات؛ تُحاصر غزة بالجوع. لا جوع الحاجة الطبيعية وحسب، بل جوع بيد السياسة، ذلك الذي لا يُولد من فقر الأرض بل من قسوة الإنسان.
منذ زمن وغزة تُدار لا كإقليم من البشر، بل كمعمل مفتوح لتجريب حدود التواطؤ الدولي، و(مرونة القانون) ، ومدى احتمالية خروج أحد عن مربع الصمت حين يُستخدم التجويع كسلاح.
ما يجري في غزة ليس “مأساة إنسانية” وحسب، كما يصفه الخطاب السياسي الغربي المُفرغ من المعنى، بل جريمة مكتملة الأركان؛ فوفق نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (المادة 8/2/ب/25)، يُعد "تجويع المدنيين عمدا" جريمة حرب. وفي حالة غزة، لا غموض في الوقائع بدءا من الحصار الخانق، وإغلاق المعابر، واستهداف سلاسل الإمداد الغذائي، وليس انتهاء بتقييد دخول المساعدات.
تقرير IPC الصادر في يونيو/حزيران 2025 بالشراكة مع الأمم المتحدة صنّف 470 ألف إنسان في غزة ضمن المرحلة الكارثية للجوع، وهي المرحلة السابقة مباشرة للمجاعة بمعناها الحرفي.
رغم ذلك، لا مساءلة؛ فالقانون الدولي أحالته دولة الاحتلال على التقاعد المبكر، وحل مكانه "القلق العميق" و"الجهود الدبلوماسية" التي لا تُنقذ طفلا ولا كهلا من الموت. وعليه فالمجتمع الدولي، بصمته، لم يعد مجرد مراقب بل بات شريكا في الجريمة. ومقارنة التجربة ليست خيارا بل ضرورة: في (سربرنيتسا) أُدين دوليا الحصار والتجويع لاحقا كمقدمة للإبادة. أما في غزة؛ فالمعايير معلّقة، لأن الضحية فلسطيني والجلاد محتل محصّن بقرار أمريكي.
هنا، تنكشف أزمة أعمق من الحصار: أزمة المنظومة الدولية ذاتها. فحين تُصبح حياة الفلسطينيين خاضعة للتوازنات الجيوسياسية، لا للمبادئ الدولية القانونية، فإن ما يُقتل ليس الأطفال وحدهم، بل ما تبقى من فكرة العدالة والأخلاق نفسها.
غزة لا تطالب بالرحمة، بل بالحق الإنساني. ولا تطلب إرسال المعونات، بل رفع الغطاء السياسي عن القاتل. إنها لا تموت جوعا فقط، بل تموت وهي تحملنا سؤال مَن نحن؟! ومن الذي يملك الشرعية الأخلاقية للكلام عن الإنسانية والقانون الدولي؟
ها هو الجوع الذي يفتك بأطفال غزة اليوم، يتحوّل إلى لعنة سياسية وأخلاقية على نظام عالمي أدار وجهه عن مجاعة مصنّعة بثّت لحظة بلحظة علينا في عواصم العالم كلها، وتركناها تمر!
لكم هو متوحش هذا العالم ودميم ومخيف!