facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




في قلب النيران .. أبطال الدفاع المدني يرسمون صورة الوطن


أ. د. احمد الخصاونة
23-07-2025 11:27 AM

في فجر يوم الخميس الحزين، استفاق الأردنيون على مشهدٍ مؤلم يتكرر كل عام، لكنه هذه المرة أكثر بشاعة، وأكثر دلالة على حجم الاستهتار، بل والإجرام في حقّ البيئة والوطن. أحراش جرش، تلك الرقعة الخضراء التي تنبض بالحياة والتاريخ والجمال، اشتعلت فيها النيران من كل جانب، وأتت ألسنة اللهب على نحو ١٤٠٠ شجرة حرجية، والتهمت ما يقارب ٢٥٠ دونماً من الغطاء النباتي، في كارثة بيئية لا يمكن وصفها إلا بـ"الجريمة".

لكن هذه الكارثة لم تكن نتيجة إهمال أو ارتفاع درجات الحرارة فقط، بل ما يثير الغضب أن الحريق كان "مفتعلاً بكل أركانه"، كما أفادت الجهات المختصة، إذ اندلعت النيران في ثلاث مناطق متفرقة في ذات الوقت، وفي منطقة معروفة بتضاريسها الصعبة وكثافة أشجارها، مما يُعزز فرضية وجود نية مبيّتة لإشعال الحريق، والتسبب في أكبر قدر ممكن من الأضرار. هذا الحدث ليس مجرد حريقٍ عادي يمكن التعامل معه وكأنه حادث عرضي. ما حدث في جرش هو عدوان متعمّد على الطبيعة، وعلى إرثٍ بيئي يمثّل جزءاً من هوية الأردن الجمالية والوطنية. إنّ إشعال الحرائق عمدًا عملٌ لا يمكن وصفه إلا بالخيانة، خيانة للتراب، وللشجرة، وللمجتمع بأكمله، الذي يعاني أصلاً من شُحّ الغطاء النباتي وتغيّرات مناخية قاسية.

ومع كل هذا السواد، هناك جانب مشرق لا يمكن تجاوزه، ويتمثل في الاستجابة البطولية والسريعة من قبل كوادر الدفاع المدني وسلاح الجو الملكي الأردني، الذين تحركوا بكل كفاءة ومهنية لإخماد الحريق، رغم وعورة المنطقة وخطورة المهمة. فبفضل التنسيق العالي، واستخدام طائرات سلاح الجو، تمّت السيطرة على بؤر كثيرة من الحريق، ومنع امتداده إلى مناطق أوسع. هذه الجهود تستحق أن نقف أمامها وقفة فخر واعتزاز. لقد أثبت رجال الدفاع المدني وأبطال سلاح الجو، أن الولاء لهذا الوطن لا يكون فقط بالكلام، بل بالفعل والتضحية والتدخل عند المحن. وكما عودونا دومًا، كانوا في الميدان، في قلب النار والدخان، حماةً لهذا الوطن الجميل.

لكن المسؤولية لا تقف عند الإطفاء والتدخل السريع. المطلوب اليوم تحقيقٌ شفاف وجادّ لتحديد المسؤولين عن هذه الجريمة البيئية، وتقديم كل من تورّط إلى العدالة، بل ومضاعفة العقوبات على من تُسول له نفسه أن يعبث بثروات الوطن. كما أن تغليظ العقوبات على جرائم الحرق العمد في الغابات يجب أن يكون أولوية تشريعية، فالوطن لا يُحرق مرتين: مرة بالنار، ومرة بالتساهل في المحاسبة.

وفي الجانب التنموي، لا بد من إطلاق خطة وطنية شاملة لإعادة تشجير المناطق المتضررة، وأن يتم إشراك المجتمع المحلي والطلبة والهيئات التطوعية في هذه العملية، حتى تتحول الكارثة إلى فرصة للتكاتف والإحياء. فكما نغرس في الأرض شجرة جديدة، نغرس في نفوس أبنائنا معنى المسؤولية، والارتباط بالوطن، وحماية مقدراته. كما يجدر بالمؤسسات التعليمية والإعلامية أن تقوم بدورها التوعوي، فالمجتمع بحاجة إلى ترسيخ ثقافة بيئية تحترم الطبيعة، وتفهم خطورة الاعتداء عليها. الغابات ليست مجرد أشجار، بل هي رئة الوطن، ومصدر الحياة، وجزء من هويتنا الجغرافية والتاريخية.

ونحن إذ نواجه مثل هذه الجرائم البيئية، علينا ألا ننسى أن قضية البيئة لم تعد مسألة رفاهية، بل هي اليوم في صلب الأمن الوطني، خاصة مع تنامي التغير المناخي، وازدياد موجات الجفاف، وحرائق الغابات في كل دول العالم. وأي تهاون في هذا الملف، يعني أننا نفرّط بمستقبل الأجيال القادمة.

ختامًا، حريق جرش ليس فقط جريمة ضد الطبيعة، بل هو ناقوس خطر يدقّ في وجداننا، يُذكّرنا بأننا بحاجة إلى المزيد من الوعي، والحزم، والتخطيط، لحماية ما تبقى من جمال هذا الوطن. وبينما نقف احتراما لجهود الأبطال الذين أخمدوا النيران، علينا أن نتعهد بأننا لن نسمح لأحد أن يحرق فينا الأمل، أو في أرضنا الحياة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :