الأردن واتفاقية وادي عربة
د. بركات النمر العبادي
24-07-2025 11:36 AM
* بين شرعية الانسحاب ومتطلبات القرار الاستراتيجي
منذ توقيع اتفاقية السلام الأردنية - الإسرائيلية المعروفة بـ"وادي عربة" في أكتوبر 1994، والأردن يجد نفسه في معادلة دقيقة تتراوح بين الالتزام ببنود الاتفاق الدولي، والانحياز التاريخي والأخلاقي للقضية الفلسطينية، لا سيما في ظل ما تشهده الأراضي الفلسطينية من تصعيد مستمر، آخرها الحرب الدامية على غزة والانتهاكات المتكررة في القدس والمسجد الأقصى، ما أعاد إلى الواجهة تساؤلًا استراتيجيًا: هل يستطيع الأردن الانسحاب من الاتفاقية؟ وإن أراد، فما الذي يحتاجه عربيًا؟
المسوغ القانوني : انسحاب مشروط لا مستحيل
من المنظور القانوني الدولي، فإن انسحاب الدول من الاتفاقيات ممكن بموجب اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969، خصوصًا المادة (54) التي تتيح الانسحاب وفقًا لشروط منصوص عليها في الاتفاق ذاته، أو برضى الأطراف.
في الحالة الأردنية، فإن اتفاقية وادي عربة تحتوي على آليات مراجعة وتسوية، ويمكن للأردن أن يُبرر الانسحاب أو التجميد استنادًا إلى:
الخرق الإسرائيلي المتكرر لبند احترام الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس، بما يمسّ مباشرة الوصاية الهاشمية المعترف بها دوليًا.
توسيع المستوطنات الإسرائيلية وفرض وقائع على الأرض تُقوّض حل الدولتين، الذي يُعد ركيزة ضمنية للسلام.
وهذه الانتهاكات يمكن أن تُقدَّم كـ"خرق جوهري" للاتفاق يُعيد النظر في مشروعيته.
الكلفة الإستراتيجية للقرار
لكن القانون وحده لا يصنع القرار، فالأردن محكوم بمجموعة من المعادلات المعقدة:
أولًا: الدعم الأميركي
الأردن يتلقى مساعدات اقتصادية وأمنية سنوية من الولايات المتحدة تُقدّر بـ 1.45 مليار دولار (USAID 2023)، غالبيتها مرتبطة بالتزامات سياسية ضمنية، يأتي اتفاق السلام في مقدمتها.
ثانيًا: اتفاقيات الطاقة والمياه
اتفاقية شراء الغاز من إسرائيل لمدة 15 عامًا، رغم ما أثارته من رفض شعبي، تُشكّل أحد أركان استراتيجية الطاقة الأردنية.
مشاريع التعاون المائي – مثل مبادرة "الماء مقابل الكهرباء" – تعزز التشابك مع الجانب الإسرائيلي وتُقيّد مناورات عمّان.
ثالثًا: التوازن الأمني
الحدود الأردنية–الفلسطينية الممتدة والمرتبطة بقضايا اللاجئين، والمخاوف من نقل الأزمة إلى الداخل الأردني، تفرض على الدولة تحفّظًا مدروسًا.
كما أن الأردن يلعب دورًا حساسًا في ملف أمن الضفة الغربية عبر التنسيق الأمني غير المباشر، ما يجعل أي تصعيد في العلاقات مع تل أبيب محفوفًا بالمخاطر.
نحو انسحاب ممكن: ما الذي يحتاجه الأردن عربيًا؟
إذا ما قررت الاردن اتخاذ قرار استراتيجي بإلغاء أو تجميد الاتفاقية، فإن نجاح الخطوة مرهون بتحقيق شروط عربية جوهرية، أبرزها:
1 - مظلّة مالية بديلة
يتطلب الانفكاك عن الدعم الأميركي وجود تكتل خليجي داعم (السعودية، الإمارات، الكويت)، يوفر للأردن مساعدات اقتصادية واستثمارية تغني عن الارتباطات الحالية، وخصوصًا في مجالات البنية التحتية والطاقة.
2-. بدائل للطاقة والمياه
لا بد من تسريع مشاريع الربط الكهربائي والمائي مع السعودية ومصر، وتوسيع مشاريع تحلية المياه في العقبة والجنوب، بما يغني عن الاعتماد على المشاريع المشتركة مع الجانب الإسرائيلي.
3-. غطاء سياسي عربي
ينبغي أن يصدر عن الجامعة العربية أو قمة عربية استثنائية، بيان دعم رسمي واضح يُحصّن الأردن من الضغوط الغربية، ويُعيد للقضية الفلسطينية مركزيتها، ويمنح القرار الأردني غطاءً سياديًا عربيًا.
4-. شراكة أمنية إقليمية
يحتاج الأردن إلى ترتيبات أمنية عربية تحمي حدوده وتمنع تداعيات التصعيد الإسرائيلي المحتمل، لا سيما في ظل وجود جماعات متطرفة قد تستغل أي فراغ أو اضطراب.
• الخاتمة:
قرار الانسحاب من اتفاق وادي عربة ليس قرارًا تقنيًا ، بل خيارًا سياديًا عالي الكلفة. لكنه ممكن في حال توفّرت الإرادة السياسية والدعم العربي الفعّال.
الأردن الذي لطالما شكّل عمقًا استراتيجيًا لفلسطين، وقاعدة اتزان في الصراع العربي - الإسرائيلي، يستطيع – إن اجتمعت أدوات الفعل – أن يُعيد صياغة موقعه في الصراع، عبر مراجعة متأنية لاتفاقية السلام، تُوازن بين الكرامة الوطنية والمصلحة العليا للدولة.
حمى الله الاردن و سدد على طريق الحق خطى قيادته وشعبه.