facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




تحول تاريخي في القانون الدولي البيئي


د.علي سليم الحموري
24-07-2025 12:45 PM

في صباح الثالث والعشرين من تموز عام 2025، لم يكن ما صدر عن محكمة العدل الدولية مجرد رأي استشاري تقليدي، بل لحظة فاصلة في تاريخ القانون الدولي البيئي، ستُخلّد في الذاكرة القانونية العالمية باعتبارها بداية تحول جذري في كيفية تعامل العالم مع أزمة المناخ. ففي رأي استشاري طال انتظاره، وضعت المحكمة البيئة في قلب القانون الدولي، وأكدت أن حماية المناخ لم تعد خيارًا سياسيًا بل التزامًا قانونيًا، وأن الفشل في مواجهته يُعد خرقًا صريحًا للقانون الدولي وحقوق الإنسان.

بدأت هذه اللحظة التاريخية في 29 آذار/مارس 2023، عندما تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 77/276، وطلبت من محكمة العدل الدولية توضيح مدى التزامات الدول القانونية في سياق تغير المناخ، لا سيما فيما يتعلق بحماية حقوق الأجيال الحاضرة والمستقبلية. لم يكن هذا الطلب تقنيًا أو قانونيًا بحتًا، بل تعبيرًا عن مطلب إنساني وأخلاقي عالمي متزايد بضرورة مساءلة الدول عن أفعالها وتأثيراتها على الكوكب.

فاجأت المحكمة الجميع بردّها الواضح والحازم. لم تتوقف عند حدود التأكيد على التزامات الدول وفقًا لاتفاق باريس وبروتوكول كيوتو وغيرهما من الصكوك القانونية، بل ذهبت إلى ما هو أعمق وأقوى. فقد أعلنت صراحة أن التباطؤ في تقليص الانبعاثات، أو الإخفاق في التكيّف مع تداعيات التغير المناخي، أو الامتناع عن تقديم الدعم للدول النامية، لا يمثل فقط فشلًا سياسيًا، بل انتهاكًا قانونيًا للمسؤوليات الدولية.

الأثر الأكبر في الرأي تمثّل في الربط المباشر بين تغير المناخ وحقوق الإنسان. أكدت المحكمة أن تغير المناخ لا يهدد البيئة فقط، بل يقوّض أساس الحقوق الإنسانية ذاتها، كالحق في الحياة، والمياه، والغذاء، والصحة، والسكن. ومع هذا التفسير، لم يعد التغير المناخي مجرد مسألة بيئية أو اقتصادية، بل قضية أخلاقية وقانونية ترتبط بكرامة الإنسان وحقه في مستقبل آمن.

كما شدد الرأي على مبدأ العدالة بين الأجيال، معتبرًا أن الدول لا تمثل حاضرها فقط، بل تتحمل مسؤولية قانونية تجاه الأجيال المقبلة. الأطفال اليوم، وفقًا لهذا المنظور، ليسوا مجرد متلقين سلبيين للقرارات، بل أصحاب حقوق يجب صيانتها والدفاع عنها من الآن.

ورغم أن الآراء الاستشارية الصادرة عن المحكمة ليست ملزمة قانونيًا بالمعنى التقليدي، فإن هذا الرأي يحمل قيمة تفسيرية وسياسية عالية. إذ يمكن استخدامه في المحاكم الوطنية والإقليمية، وفي صياغة السياسات العامة، وإدماجه ضمن أدوات الضغط القانوني والأخلاقي على الدول المتقاعسة عن الوفاء بالتزاماتها المناخية.

في السياق العربي، يشكّل هذا الرأي الاستشاري مكسبًا قانونيًا هامًا طال انتظاره. فهو يدعم مطالب الدول العربية بتحقيق العدالة المناخية، ويوفّر للأردن تحديدًا مرجعية قانونية لتعزيز تشريعاته البيئية، والمطالبة بالدعم الدولي، خاصة في ظل ما يواجهه من تحديات متزايدة على مستوى الأمن المائي والزراعي بفعل التغير المناخي.

لقد تجاوزت معركة المناخ اليوم حدود المؤتمرات ومفاوضات الدبلوماسية، ودخلت رسميًا أروقة القضاء الدولي. وبهذا الرأي التاريخي، تكون محكمة العدل الدولية قد فتحت الباب أمام مرحلة جديدة من المحاسبة البيئية، التي يُنتظر أن تغيّر قواعد اللعبة المناخية في السنوات المقبلة، وتُرسّخ مبدأ أن البيئة ليست مجرد مورد نستهلكه، بل حق من حقوق الإنسان يجب احترامه، حمايته، وضمان استدامته.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :