الشباب: أحلام ضائعة وهمم متزعزعة
عون كاظم الكفيري
26-07-2025 11:54 AM
في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها الأردن على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يظل الشباب في موقع الانتظار، محاصرين بين خطاب رسمي يرفع شعارات تمكينهم، وواقع يومي يخذلهم، أحلامهم الكبيرة باتت مؤجلة إلى إشعار غير معلوم، وهممهم العالية أصبحت تتآكل تحت وطأة الإقصاء، والبطالة، وتهميش الأدوار، حتى باتت الثقة بمستقبل أفضل ترفًا لا يملكه كثيرون منهم.
منذ سنوات، والشباب الأردني يصرخ بأشكال مختلفة، يطالب بفرص عادلة، بتمثيل حقيقي، وبحقه في أن يكون شريكًا لا تابعًا، إلا أن المشهد العام لا يزال يكرّس سياسات إقصائية، ويفرض حوارات شكلية لا تتجاوز حدود الصورة الإعلامية، يُستدعى الشباب للمشاركة فقط عندما يُطلب منهم تزيين المشهد، لا عندما تكون القرارات مصيرية، وتُختار أصوات تمثلهم غالبًا بعيدًا عن الميدان، وعن واقعهم المعيشي والسياسي.
في المقابل، يعيش الشباب اليوم واقعًا مريرًا لا يمكن تجاهله، نسب البطالة في صفوفهم تتجاوز الأرقام المقبولة وتهدد النسيج الاجتماعي، عدد كبير من الخريجين يواجهون انسدادًا في الأفق المهني، ما يدفع العديد منهم إلى الهجرة، ليس حبًا في الرحيل، بل هروبًا من انسداد الأمل داخل الوطن، ومن بقي في البلاد، تآكلت ثقته بالمؤسسات، وفقد الإيمان بأن هناك من يصغي أو يستجيب.
ومع ذلك، فإن هذا الواقع لا يُلغي الحقيقة الأهم الشاب الأردني، رغم كل الظروف، يظل مبدعًا، طموحًا، وقياديًا بالفطرة ، لقد أثبت الشباب الأردني في الداخل والخارج أنهم قادرون على تحقيق المستحيل، من غادر البلاد لم يستسلم، بل صنع مستقبله، وحقق حلمه، وتميّز في أرقى المؤسسات الأكاديمية، والشركات العالمية، والمراكز القيادية في دول متعددة.
هل تعلمون أن الشاب الأردني اليوم يمثل صورة إيجابية مشرقة في المجتمعات الغربية والعربية على حد سواء؟ من ذكائه، إلى حكمته، إلى انضباطه القيادي، في كل قارة من قارات العالم، هناك قيادات شابة أردنية تدير مؤسسات، تقود فرقًا، وتبني حلولًا، هذا ليس محض صدفة، بل انعكاس لطبيعة الشاب الأردني، المثابر، الذكي، المؤمن بذاته رغم كل التحديات.
إن القلق الحقيقي لا يكمن فقط في حجم التحديات، بل في نتائجها النفسية والاجتماعية، فالشباب الذين يعيشون في بيئة يغيب فيها الأمل، هم أكثر عرضة للتهميش، واليأس، والانخراط في سلوكيات قد تكون خطرة، إن فقدان الشعور بالانتماء نتيجة الإقصاء، يقود إلى فقدان الرغبة في المشاركة، وهو ما يهدد مستقبل البلد بأكمله.
إن المرحلة الراهنة تتطلب وقفة صادقة، فتمكين الشباب لا يجب أن يكون مشروعًا دعائيًا، بل أولوية وطنية حقيقية، المطلوب هو الاعتراف أولاً بعمق الأزمة، ثم فتح باب الحوار الحقيقي معهم، وليس عنهم. المطلوب أن تُبنى السياسات بالشراكة معهم، وأن يُعاد النظر في آليات تمثيلهم في مواقع صنع القرار، سواء في المؤسسات العامة، أو في العمل المدني، أو في المبادرات التنموية.
لم يعد مقبولًا الاستمرار في إدارة الظهر لمطالب الشباب، أو الاكتفاء بخطابات تحفيزية لا تغير شيئًا على أرض الواقع، آن الأوان أن نعيد بناء الثقة بين الشباب ومجتمعهم، وبينهم وبين دولتهم، وهذا لا يتحقق إلا إذا لمسوا تغييرًا حقيقيًا في السياسات، لا في الكلمات.
الشباب لا يطلبون امتيازات، بل يطالبون بحقهم في المساهمة، لا يبحثون عن سلطة، بل عن كرامة، لا يريدون من يصنع القرارات بالنيابة عنهم، بل يريدون أن يكونوا جزءًا منها، وإعادة الأمل إليهم لا تتطلب معجزات، بل تتطلب إرادة سياسية جادة، وإنصاتًا حقيقيًا، ورؤية تؤمن أن الشباب ليسوا مشكلة تنتظر الحل، بل هم الحل بحد ذاته.
إن الوطن الذي يريد النهوض لا يمكنه أن يفعل ذلك دون شبابه، وإن أي مشروع تنموي أو إصلاحي لا يتكئ على طاقاتهم ووعيهم، سيظل ناقصًا، ولذلك، فإن فتح الباب أمامهم اليوم ليس تفضّلاً، بل واجب، وإعادة الاعتبار لهم ليست منّة، بل ضرورة وطنية.