facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




‎الأردن وفلسطين: الواقعية السياسية أم الانتحار الآثم


‎دانا هيثم الخصاونة
27-07-2025 01:10 AM

وسط حمّى الدم والنار والمجاعة المفروضة على غزّة، ترتفع الأصوات، وتحتدم الأسئلة: أين العرب؟ ولماذا لا تتحرك الجيوش؟ وفي خضم هذه الزوبعة، يتكرر اسم الأردن، بين من يتهمه بالصمت، ومن يغمز بالتخاذل، ومن يتجرأ حد التخوين. لكن هل الصورة بهذا السوء فعلًا؟ أم أننا أسرى الانفعال، وأحيانًا أسرى الرواية السطحية التي تُغفل السياق والواقع؟ الأردن لم يكن يومًا صامتًا ، لا على المستوى الرسمي ولا الشعبي ، فمنذ اليوم الأول، خرج الملك عبد الله الثاني يخاطب العالم بوضوح، محذرًا من صمت المجتمع الدولي، ومطالبًا بحماية الفلسطينيين ، بصوتٍ هادرٍ ، في زمن الصمت والخَرَس المتواطيء.

‎لم يتوانَ وزير الخارجية الأردني ، قيد أنملة ، فقد حمل ملف غزّة إلى كل المنابر الدولية بشجاعة سياسية نادرة، رافعًا سقف الخطاب في مجلس الأمن وغيره، بينما كانت عواصم عربية أخرى تُغلّف بياناتها باوراق ناعمة تخشى ان تخدش حياء ومشاعر المحتل البغيض.

‎من جهتها، استثمرت الملكة رانيا حضورها العالمي، لتكسر الصمت الغربي الآثم، وتكشف نفاق التغطيات الإعلامية التي تنحاز للمعتدي، وتتعامى عن المجازر، ورغم شحّ الإمكانات وتعقيد التوازنات، قدّم الاردن ما عجزت عنه دول أغنى وأقوى ، مستشفيات ميدانية في غزة، جسر إغاثي جوي وبري مستمر، وإرسال فرق طبية تترى، رغم التهديدات، لم يزل يتحرك الأردن في صمت، وبدون ضجة اعلامية ، ولجلجة تبجحية ، لأنه يعرف أن الأهم من الشعارات، هو العمل والتحرك حيث الوصول للضحايا، وإنقاذ الأرواح هو المقصد.

‎أما الشارع الأردني، فكان وما يزال نبضًا صادقًا ورئة تتنفس منها فلسطين ،ولا يحتاج الأردنيون إلى نداء تضامن ، او خطاب تحميس ، فالقضية ليست "خارجية" بل عندنا ، إنها في القلب والوعي، في المدرسة والمسجد، في الوجدان الجمعي في الاحلام واليقظة، فمن مظاهرات، إلى حملات مقاطعة، إلى تبرعات، وانزال جوي طارىء ، متصدرا العالم العربي في نبضه الشعبي ودعمه للاهل في فلسطين.

‎هناك أصوات تزاود بحماس، وتشكك بريبة : "لماذا لا يفتح الأردن الجبهة؟ لماذا لا تتحرك دباباته؟". والجواب الصادق، وليس المتحمّس الانفعالي هو : هل المطلوب موقف بطولي أم خطوة انتحارية؟ الأردن لا يتهرّب، من واجبه ومسؤولياته ، لكنه أيضًا لا يقامر بنفسه ولا يلقيها الى التهلكة. من يطالب الأردن بخوض معركة منفردة، يتجاهل تمامًا موازين القوى. هل المعركة تُخاض بالعاطفة؟ أم بالتحليل والتخطيط والاعداد؟ من يزجّ باسم الأردن في مغامرة عسكرية منفردة، لا يدرك أن خسارة الأردن ليست نكسة، بل كارثة عليه وعلى العرب جميعًا.

‎ لماذا يُطلب من الأردن أن يدفع الثمن وحده؟ ، بينما الآخرون يتفرجون من خلف الستار!! أين الجيوش الأخرى؟ أين المال والسلاح والدعم اللوجستي؟ نعم للتحرك الجماعي، نعم للقرار العربي الموحد، لكن أن يُدفع الأردن وحيدًا إلى النار، فتلك ليست مقاومة... بل مقامرة بمصير دولة وذلك هو الهلاك والدمار والانتحار الآثم.

‎في معركة الكرامة، واجه الأردن جيش الاحتلال وانتصر، رغم عدم تكافؤ العدة ، لكن إسرائيل اليوم ليست وحدها، بل خلفها منظومة دولية تمولها وتسلحها وتحميها سياسياً. أما أن يُزج بالأردن، في حرب مفتوحة دون ظهر او دعم فلا يُعقل ذلك!! والله يأمرنا بإعداد القوة، لا بإلقاء النفس إلى التهلكة.

‎من المؤلم أن نرى بعض الأردنيين المتحمسين ينساقون وراء خطاب يفتح أبواب (الفوضى، والتشكيك، والاتهام، والتذمر، وجلد الذات... ) وكلها أدوات تُستخدم لزعزعة الداخل، ليس من الخارج فقط، بل من أبناء البلد أنفسهم، دون أن يشعروا أنهم يضعفون السند الوحيد الذي بقي لفلسطين وبوابتها اللوجستية النابضة بالحياة.

‎ليس كل من نادى بالتحرك ثائرًا، ومناضلا، وطنياً وقومياً أبياً فبعض الأصوات "الثورية" تخدم الاحتلال من حيث لا تدري، حين تضرب استقرار الأردن، وتزرع الفُرقة في صفّه الداخلي وتزعزع لُحمته ، والمؤامرة اليوم لا تأتي عبر الحروب المباشرة فقط، بل في شائعة، في منشور، في خطاب يبدو وطنياً حادًا متحرراً لكنه أجوف... فيه من التحريض أكثر من التحرير.

‎في السيرة النبوية عبرة واسوة حسنة ، الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبدأ مواجهته بالسيف، بل بالكلمة والصبر والتدرج، حتى اشتد ساعد الدولة، وصارت تملك القرار والقوة. وفي غزوة مؤتة، انسحب خالد بن الوليد بعدما استشهد القادة الثلاثة، فعاد بالجيش من معركة غير متكافئة ، ولم يصفه النبي بالفارّ، بل منحه وسام "سيف الله المسلول". فالحكمة والاعداد ليست ضعفًا،والتريث والصبر ليس خيانة، والاستعداد لا يعني التهور . المواقف العاقلة المتدبرة اليوم... هي الضمانة الحقيقية للكرامة غدًا.

‎من يُهاجم الأردن، عليه أن يتذكر: ان الأردن ما دام واقفًا، وسط النار ، يحمي حدوده، هو يناضل ويقاوم ، وهو من يستبقي فلسطين ايضا واقفة حية في الداخل وفي المحافل الدولية . انه يسهل على اي واحد يجلس متكئا يحتسي القهوة ،ويقلب في وسائل التواصل الاجتماعي، ان يوزع الاتهامات، والالقاب والنعوت ، لكن البطولة الأصعب هي أن تحافظ على بلدك قويًا متماسكًا في وجه عاصفة إقليمية تكاد تقتلع كل شيء.

‎إنه التحدي الأكبر: أن تبقى واقفًا في زمن الانهيارات. أن تواصل حمل الأمانة، لا بالصراخ، بل بالثبات والعمل. الأردن ليس صامتًا، ولا جبانًا، ولا تابعًا. بل هو السند الأخير. ومن أراد له الانفجار... فليتذكر: إذا سقط السند، فمن ينهض بعده؟

عاش الاردن عزيزا صامداً وعاش قائده المظفر الملك عبدالله وحفظه الله ويسدد على طريق المجد خطاه





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :