كلوب باشا والأردن في زمن الإنتداب
د. بركات النمر العبادي
27-07-2025 12:13 PM
* هندسة التوازنات العشائرية وسط تحولات المشرق العربي
في فترة دقيقة من تاريخ المشرق العربي، شكّل الأردن الناشئ ساحة لصراع المصالح الاستعمارية، وكان له دور مركزي في توازنات ما بعد الحرب العالمية الأولى، من بين أبرز الشخصيات التي أثّرت في مسار هذه الدولة الفتيّة، برز اسم كلوب باشا (جون باغوت كلوب) ، الضابط البريطاني الذي تولى قيادة الجيش العربي بين عامي 1939 و1956.
لم يكن وجود كلوب في الأردن حدثًا عسكريًا فقط، بل امتد ليكون مشروعًا سياسيًا واجتماعيًا ضمن سياسة بريطانية اعتمدت على "الإدارة غير المباشرة" ، فقد عمل على إعادة تنظيم العلاقة بين الدولة والعشائر، من خلال تأسيس قوة البادية، ومنح الزعامات القبلية دورًا وظيفيًا في حفظ الأمن وبناء الولاء، مما ساهم في إنتاج منظومة أمنية مستقرة، ولكنها مشروطة بالرضا الخارجي.
رغم أن الأردن لم يكن مستعمرة بالمعنى التقليدي ، إلا أن بريطانيا كانت تمارس نفوذًا فعليًا على القرار السياسي والعسكري في ظل الانتداب، وهو ما انعكس في قدرة كلوب باشا على توجيه السياسات الأمنية وحتى بعض التوجهات الإقليمية.
أما فيما يخص القضية الفلسطينية، فقد التزم كلوب سياسة الحياد المنضبط. ورغم تحفظاته على المشروع الصهيوني، لم يتخذ مواقف فعلية لوقف الهجرة اليهودية أو دعم الفلسطينيين ، بل ركّز على منع تسرب الفوضى من فلسطين إلى شرق الأردن ، وقد شارك الجيش العربي في حرب 1948 بحدود مرسومة مسبقًا ، مع التأكيد على ضبط التوسع العسكري داخل فلسطين.
انتهى دور كلوب باشا رسميًا في عام 1956 عندما قرر الملك الحسين إنهاء الوجود العسكري البريطاني في الجيش الأردني ، فيما عُرف بـ"تعريب قيادة الجيش العربي"، إلا أن البنية التي أسسها كلوب ظلت حاضرة في المشهد الأردني من حيث المركزية ، وهيكلية المؤسسة الأمنية ، والعلاقة الوظيفية مع العشائر.
تستدعي هذه المرحلة مراجعة تاريخية هادئة، تضع الأمور في سياقها: فكلوب باشا لم يكن مجرد ضابط ، بل أحد أدوات السياسة البريطانية في مرحلة إعادة تشكيل المنطقة ، حيث كان بناء الدول يتم وفق توازنات دولية أكثر مما هو استجابة لإرادة الشعوب.
حمى الله الاردن وسدد على طريق الحق خطى قيادته وشعبه.